إن التعقل في شتَّى الأمور : نعمة من الله ـ عز وجل ـ وفضل يمنُّ به على من أحبَّ من عباده , وهو حصيلةٌ علميةٌ وفكريةٌ تجمّل الإنسان وتهذبه . أما الجهالة : فهي نقمة وتعاسة على العبد بما اقترفت يداه , وإذا كمنت بفكره فهي شقاءٌ له في الدنيا , وبتلك الجهالة سوف يقطف ثمار الندامة والحسرة وكما قال الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ : وَأَفضَلُ قَسمِ اللَهِ لِلمَرءِ عَقلُهُ فَلَيسَ مِنَ الخَيراتِ شَيءٌ يُقارِبُه إِذا أَكمَلَ الرَحمانُ لِلمَرءِ عَقلَهُ فَقَد كَمُلَت أَخلاقُهُ وَمَآرِبُه والعقل دليل التَّائه ومرشد الحائر ومنارة الإنسان ؛ العقل مخلوق أمين وحارس من الضَّياع , وآية من آيات الخالق , ولا يكمل دين المرء إلا بالعقل , ولا تتجمَّل الحياة إلا برشده . وإذا ضعف عقل المرء ؛ سيفسد تفكيره , ويقل دينه , ولسوف يضرُّ نفسه ويُضلل غيره , ويغش من هم في معيَّته إذا اعتقدوا بأنه من العقلاء أو من النُّجباء , حينئذ سوف تصبح الأمور لدى الجميع ظلمات فوق ظلمات . أما المتعقلون فإنَّ لهم فضائل عظيمة وبشائر قويمة , يستفيد منها كل من عاشرهم أو جالسهم أو خالطهم , وسوف يكونون من أصحاب الحظّ الأوفر والفكر المستنير . وكما قال الشاعر طرفة بن العبد : إذَا تَمَّ عَقْلُ الْمَرْءِ تَمَّتْ أُمُورُهُ وَتَمَّتْ أَمَانِيهِ وَتَمَّ بِنَاؤُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقْلٌ تَبَيَّنَ نَقْصُهُ وَلَو كَانَ ذَا مَالٍ كَثيرٍ عطَاؤُهُ ونحن نقول إن للعقلاء سماتٍ أولها وأهمها وأعظمها أنهم يعقلون عن الله ـ تبارك وتعالى ـ ولا يستمرئون الغفلة , فمن لم يعقل عن الله فلا قيمة لعقله ولا وزن لفكره ؛ وكما قال تعالى : « إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ « سورة الأنفال : [ 22] . وكما قال حكيم : الناس ثلاثة « عاقل , وأحمق , وفاجر « : فالعاقل : الدين شريعته , والحلم طبيعته , والصبر رؤيته , والرأي الأفضل موقفه , فإذا نطق أصاب وإن سئل أجاب , وإن سمع وعى واعتبر . والأحمق : إن تكلم تعجل واستعجل , وإن حدث هوَّل وكذّب واستكذب , وإن طلبتَ منه النزول عن رأيه فإنه يُصرُّ عليه ولا يبالي . وأما الفاجر : إن ائتمنته شانك وخانك , و إن صاحبته أساء لنفسه وأساء إليك ؛ فإنه الهلاك في الدنيا والحسرة في الآخرة , فأبعد نفسك عن بضاعة الفجار والفجرة تنل الرضا والمثوبة والذكر الحسن . وأما العقلاء : فلهم صفات محمودة , ومميزات عديدة , وخصائص مُرضية .. فمن صفاتهم : أنهم يعملون في هدوء , ويوفون بالوعود , وينتجون في صمت , تتحدث عنهم أعمالهم , لا مكانة عندهم للتفاخر بما يشيّدون أو ينتجون , وليس من صفاتهم العظمة ولا المباهاة ولا المفاخرة بما يقدمون , ولا يمنُّون بما يبذلون .. ومن صفاتهم : أنهم أبعد الناس عن الكذب والمراوغة , وأرفع الناس عن التحايل والخداع .. ومن صفاتهم : الحلم عن كل مَن ضل وجهل . ولا ننسى سعة صدورهم , فإنهم يتقبّلون الصلح , ويستمعون بإمعان للرأي الآخر , لا يهمُّهم نقد الجاهل ولا يصرون على ّ فرض رأيهم بل يهمُّهم الرَّأي الأصحّ والفكرة الأفضل , إنَّهم يحبُّون الخير لمجتمعاتهم . لكن المشكلة الكبرى عند أصحاب الجهالة الذين لا دراية لهم ولا علم لديهم ؛ أنهم يحكمون ويتحكمون في الأمور على ما سمعوا , وهذه في حدِّ ذاتها جهالة كبرى ومشكلة عظمى لدى هذه الفئة , وفي الوقت نفسه فإنَّهم قد لا يريدون كشف الحقيقة ؛ لأنه لو وجدت الحقيقة لاعتقدوا أنهم سينكشفون , هم أصحاب الوشاة يصرُّون على آرائهم التي بنيت على الأخطاء والأحقاد , ولا يهمُّهم إلا أن تقتنع بأفكارهم حتى ولو كانت هذه الأفكار فيها من المضارِّ والمفاسد على أنفسهم ومجتمعاتهم الشئ الكثير ؛ فهؤلاء مصيرهم الحسرة , وسوف يقطفون ثمرة الندامة على ما أوصلوا أنفسهم إليه , إنهم لا يعقلون عن أنفسهم شيئاً ,ولا يهتدون . سوف يلازمهم الفشل ؛ لأنهم لا يتعظون بموقف ولا يجنحون للنُّصح ؛ إنَّهم ميَّالون إلى أهوائهم ولِقِمَّة ملذّاتهم .. هذه صفاتهم .. هؤلاء هم الجهلاء.
مشاركة :