ملحوظة: في شهر نوفمبر 2018، شاركت في معرض الكتاب بالشارقة، وكانت ورقتي حول محور (هل ستختفي صحفنا الورقية في المستقبل وإلى متى ستصمد قبل أن تختفي؟! وهل سرّعت التكنولوجيات الرقمية من اختفاء هذه الصحف؟!) ولأهمية الموضوع فإني أنشره في زاويتي هنا، على حلقات، بسبب ضيق المساحة المتاحة. { حين نتحدث اليوم عن «الصحف الورقية»، فإننا وفي إطار الواقع الراهن نتحدث عنها في ظل تسارع التكنولوجيات الإلكترونية والرقمية، و(التي نعيش حالة التفاعلية معها في أكثر من مجال) بل نتحدث عن الصحف الورقية، التي تحولت هي ذاتها إلى «الوسيط الإلكتروني والرقمي»، وحيث أصبح من المعتاد الدخول إلى مواقع إلكترونية، مختصة بنقل الصحف الورقية «اليومية والدورية» ومن أي بلد كانت، وبأي لغة جاءت، بمجرد امتلاك الوسائط الإلكترونية، أو حتى امتلاك هواتف ذكية، والتي بالمناسبة قلبت حياة الناس في العالم كله، بشكل نوعي، بل خلقت معها معضلات غيَّرت الأنماط الاجتماعية! وتسببت في (ظهور علاقات التوحد بالآلة في «عالم افتراضي» يطغى يومًا بعد الآخر على العلاقات الاجتماعية الطبيعية في الواقع الحقيقي)! خاصة من خلال الاستغراق بالعالم الرقمي، بين الحاسوب والفيس بوك، والتويتر والواتساب والانستغرام وغيرها من وسائل التواصل ومفاتيح العالم الإلكتروني. { لذلك كله وغيره، يبدو سؤال إن كانت الصحف الورقية ستختفي في المستقبل أم لا، فإنه معتمد كسؤال بشكل كبير على مقياس الزمن الذي نقيس به هذا المستقبل، لأننا نعيش تحولاته في الراهن، ومنذ سنوات، ولذلك (وعلى مدى عقد أو عقدين) من الآن، سيصبح اختفاء الورق من عالمنا، وفي مناح مختلفة، وليس في الصحافة فقط أمرًا واقعًا! قد تصمد هذه الصحف خلال هذه المدة الزمنية، إلا أن محتواها، قد يتغير مواكبة لمتغيرات سريعة، في أشكال ووسائط وتقنيات نقل المعلومات والأخبار والتحليل التي أصبحت فورية في مصادر أخرى كثيرة، ترسخت في واقعنا كالتكنولوجيات الرقمية والقنوات الفضائية التي تبث على مدار الساعة، ومنها ما هو بث مباشر، ويتم نقله إلكترونيًّا أيضًا، ما يعني خفوت الاعتماد الراهن والمستقبلي على الصحف الورقية (التي تكتسب منذ زمن قيمتها الأساسية من التحليل وعمود الرأي والمقال) وحيث الأخبار أصبحت مجرد تكرار متأخر، لما تمّ الإطلاع عليه حين حدوثه! هذا يحدث اليوم وليس مجرد افتراض مستقبلي! { هناك عوامل عديدة تلعب أيضًا دورها بشكل أو بآخر في إضعاف «الصحافة الورقية» أمام تزايد قوة وانتشار التقنيات الإلكترونية واستحواذها على أنماط التلقي. 1- فارق الكلفة كبير جدًا، بين متطلبات وآليات الصحافة الورقية من حيث المطابع والموظفين والعمال والتوزيع والحاجة إلى الدعم المالي، قياسا إلى الدور الوظيفي في نقل الأخبار والتحليلات والرأي عبر الوسائل الإلكترونية والرقمية. 2- فارق الزمن في سرعة نشر الخبر والتحليل والتعليق إلكترونيا، عن ذلك النمط الكلاسيكي في الصحافة الورقية فارق كبير، حيث المتغيرات السريعة والتي سرعان ما تصبح معها الأخبار ماضوية. 3- كتابة الرأي والمتخصصون فيها، يجدون صعوبة إيصال التحليل والرأي مع متغيرات الأحداث والأخبار المتسارعة، ومستجدات الوسائط الإلكترونية وحيث يستغرق نشر الرأي والتحليل يومين أو أكثر بالصحافة، خلالها يكون الحدث قد تغير جملة وتفصيلاً، ما يُلقي بظلاله على فحوى الرأي نفسه! أما في الوسائل الأخرى التكنولوجية ووسائط التواصل الإلكتروني، والفضائيات الناقلة لمتغيرات الحدث لحظة بلحظة، فإن التعبير عن الرأي فوري وتفاعلي، مع كتاب الرأي أنفسهم أو المحللين بل مع المشاهدين. 4- القنوات الفضائية، تدور في حد ذاتها في فلك التقنيات الإلكترونية الحديثة، وهي كما قلنا تفتح الحوارات، حالها حال الصحف والمجلات والمواقع (الإلكترونية) ووسائل التواصل الإلكتروني، في إطار مسموع ومرئي بخلفيات تقنية وموسيقية جاذبة، وتتفاعل مع المتلقي في برامج مخصصّة له، ما يجعل الصحافة الورقية أمام هذه الوسائط الخبرية والتحليلية المتحركة والمتفاعلة، متراجعة إلى الوراء! ولأن تلك الوسائط التكنولوجية والإلكترونية، أصبحت أكثر لحظية وتفاعلية، فإنها أيضًا أكثر تأثيرا، وقدرة على إشباع نهم المتلقي إلى المعلومة والرأي بشكل سريع، بل وقوة التأثير في صناعة الرأي العام. وغدًا نكمل العوامل الأخرى التي تلعب دورًا في إضعاف الصحافة الورقية.
مشاركة :