نحن في زمن سياسي دولي لم يعد فيه الأصدقاء إلى الأبد متحالفين، ولم يعد فيه الأعداء إلى الأبد متقاتلين، ولعل ما نشرته مجلة (دير شبيغل) الألمانية مؤخرا يؤكد ذلك، حيث قالت إنها تمتلك أدلة على وقوع اشتباكات دموية بالنيران الثقيلة بين قوات إيران وروسيا في سوريا على خلفية تقسيم مناطق النفوذ في منطقة الغاب بمحافظة حماة. وقال مراسل (دير شبيغل) إن أيًّا من الطرفين لا يرغب في الكشف عن هذا التوتر العسكري علنا، ولهذا السبب انتشرت أخبار الاشتباكات من قبل شهود عيان فقط. من جهة أخرى، حددت موسكو لتركيا شروط عملياتها في سوريا، وقالت إن عمليات تركيا داخل أراضي سوريا وفقا لاتفاقية (أضنة) الموقعة مع دمشق عام 1998 يجب ألا تؤدي إلى ظهور كيانات إقليمية منفصلة بالمناطق الحدودية وألا تنتهك وحدة سوريا، ويجب أن تراعي بدقة وبصرامة سلامة ووحدة التراب الوطني في هذا البلد. من جهة ثانية، قالت الزميلة «الشرق الأوسط» بالأمس إن منظومة الدفاع الخاصة بقاعدة (حميميم) الروسية في سوريا قامت بالتصدي لأهداف معادية بالقرب من القاعدة في سماء مدينة اللاذقية ومدينة جبلة، وتم رصد سماع دوي انفجارات في المنطقة. كلنا يعرف أن روسيا هي اللاعب السياسي الأكبر في سوريا، وهي أيضا التي تحدد حجم الغارات الإسرائيلية ضد القوات الإيرانية وحزب الله اللبناني ومخازن الأسلحة والصواريخ لكلا الطرفين في سوريا، ولكن المؤسف في الأمر أن (الحكومة السورية) تبدو بعيدة عن كل هذه التجاذبات السياسية والعسكرية، سواء بين الحلفاء لها أو الخصوم، ويرجع ذلك إلى الأعداد الكبيرة من القوات الأجنبية التي توجد على أراضيها، بالإضافة إلى تدخلات إقليمية مثل تركيا وإيران اللتين لديهما سيناريوهات وخطط سياسية وعسكرية تتجاوز مسألة الدفاع عن النظام السوري أو مواجهة الإرهاب. سوريا الآن طبعا ليست كما كانت عليه عام 2011 في بداية الثورة السورية وتكالب الإرهاب عليها فهي الآن أفضل نسبيا مما كان الوضع عليه سابقا، لكن النظام السوري لن يستطيع إملاء شروطه السياسية على الحلفاء والأعداء بوجود هذا الكم الهائل من المليشيات المسلحة والقوات الأجنبية على أراضيه. ويبدو أن عودة سوريا إلى (الحضن العربي) مجددا مرهونة بتخلصها من هذه القيود الثقيلة على الأرض السورية.
مشاركة :