يظل أمر الميراث المصدر الاول للخلافات والعداء بين الاخوة والاقرباء. محاكمنا تعج بقضايا الإرث المعقدة، فعددها في ازدياد ومحاكمها تستمر سنوات عديدة، يشيب فيها الأبناء وينجب فيها الأحفاد جيلا بعد جيل، يستعرض خلالها الأشقاء عضلاتهم وقدراتهم المالية ليهزموا بها أشقاءهم املا في الفوز بالنصيب الاكبر من الإرث. وفاة الأب بدلا من أن تكون بداية لتعزيز وتقوية وتجديد الترابط والعلاقات الأخوية أصبحت بداية لانطلاق شرارة أم المعارك التي تدمر العلاقات الأخوية. في هذه المعركة تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه لأنها تكشف عن معدن الشخص وإيمانه بالأخوة والإنسانية وأحكام الدين. في هذه المعركة تتجلى أقسى أنواع البغض والكراهية وأشدها قوة في تفتيت العائلة، حيث يتحول الأخ الى عدوّ شرس وسارق ومحتال وكذاب في نظر أشقائه. في هذه المعركة تختفي المبادئ والأخلاقيات وتعلو الأنانية وحب الذات. بعد وفاة العمدة يتغير كل شيء حتى لقاء العائلة الاسبوعي الذي كان يجمع الأشقاء والأحفاد ينتقل من البيت العود الى قاعة المحاكم.. هناك يلتقي أعداء اليوم وأحبة الأمس تحت سقف القضاء ليشتكي كل منهم الاخر وتوجه الاتهامات وكأنهم غرباء لا تربطهم أي قرابة وعلاقة نسب. وبسبب الجشع والطمع وحب المال تتغير النفوس وتسودّ القلوب وتنكشف الوجوه على حقيقتها. ديننا الحنيف لم يترك صغيرة ولا كبيرة من القضايا الاجتماعية التي قد تعترض حياة الانسان إلا وضع لها قانونا وتشريعا، ومن اهم تلك القضايا الميراث. فقد عمل الإسلام على تحديد فروض الإرث والورثة بشكل واضح في القرآن الكريم والسنة النبوية، وبيّن الضوابط التي تحكم توزيعَ الميراث ليحكم العدل ويردع التحايل والتلاعب بحقوق المستضعفين. وعلى الرغم من كل هذه التشريعات السماوية وعلى الرغم من إيماننا بها فإن أنانية وطمع وجشع البعض يُعَدّ سبباً رئيسياً في ارتفاع قضايا الارث وضياع حقوق الكثير من النساء والأطفال واليتامى في مجتمعنا. أحد المحامين يقول: اتصلت به امرأة هي الزوجة الثانية لشخص على قيد الحياة تستفسر عن إمكانية حرمان بقية الورثة من الإرث... تصوروا!!! وأحد الأبناء يجبر أباه وهو على فراش الموت على الامضاء على أوراق بيضاء، وبنات يحرمن من الإرث فقط لكونهن إناثا وليس لديهن التزامات ومسؤوليات مالية، والأمرّ من ذلك يحرمن من الإرث خشية انتقال الإرث الى أزواجهن الغرباء. أي عقلية وأي إيمان وأي ظلم هذا؟ إنه بسبب مشاكل الإرث وحدّة العداء بين الورثة، عقارات بإيجاراتها تهمل ومؤسسات تنهار وأموال تهدر على المحاكم ومحاكم الاستئناف ومكاتب المحاماة، فالكل يتلذذ ويتفنن في دفع الأموال وتحمل الخسائر المالية الهائلة. بعض من تلك العقارات يبقى عقودا من الزمن مهجورا مهملا وتتحول ملكيته لأكثر من مائة حفيد مما يفقدها قيمتها وأهميتها لأصحابها.
مشاركة :