قد تحمل كلمة الإصلاح المعاني التي يوجد فيها بصيص أمل للوصول إلى واقعٍ تتحقق فيه مصلحة الجميع. ولكن، هل توجد حقاً مشكلةٌ يجب الانتباه إليها في عمليات الإصلاح، خاصةً السياسي، اسمها مشكلة (الاستعجال)؟ وهل صحيحٌ أن محاولة (حرق المراحل) أثناء عمليات الإصلاح يمكن أن يترتب عليها سلبياتٌ عديدة قد يكون أحدها تعطيل مسيرة الإصلاح بمجملها؟ بل ربما تؤدي إلى فوضى شاملة يمكن أن تُفرّغَ الإصلاح من مضمونه بشكلٍ كبير؟ هنا تبرز أولويةٌ مهمة، تتمثل في ضرورة الانتقال من مرحلة الرموز والإشارات إلى مرحلة البيان والتوضيح، خاصة فيما يتعلق بالإجابات على تلك الأسئلة. لأن مرحلة الرموز والإشارات يمكن أن تكون مرحلةً أوليةً ضروريةً نفسياً وفكرياً وعملياً لتمهيد الأرضية التي يشعر معها المجتمع بشكلٍ متدرج بأن شيئاً ما، إيجابياً ، يلوح في الأفق. وحتى يمكن تهيئة الجماهير على توقع تغيير في قواعد العلاقات، وعلى استيعاب بعض مقدمات وأصول التعامل وفق قواعد جديدة، بعد عقودٍ من المعايشة للقواعد القديمة، وبشكلٍ يحميها من الصدمات المفاجئة، التي يترتّب عليها كثير من الفوضى السياسية والاجتماعية والأمنية. نعم. من المؤكد، باستقراء تجاربَ عديدة، أن هناك مشكلةً يمكن أن تترتب على (الاستعجال) و(التسرع) و (حرق المراحل).. لكن من الضرورة بمكان ألا تندرج هذه القاعدة في إطار مقولة (كلمة الحق التي يُرادُ بها باطل). من هنا، فإن المخرج من هذا الوضع غير الطبيعي يتمثل في تحرير تلك المفاهيم وتحرير مناطها ومجالات تطبيقها بشكل واضحٍ ومحدد، بدلاً من تركها هكذا هائمةً في فضاء عملية الإصلاح كسيفٍ ذي حدّين. وإذا كان من المحبذ أن تتم عملية التحرير والتحديد تلك في إطارٍ من الحوار والتشاور مع أطراف المجتمع المدني بشكلٍ مؤسسي. ولكن، لا أقل من أن يجري الحوار الصريح في هذه القضايا عبر المؤسسات التقليدية ومن خلال القنوات الاجتماعية المألوفة. على أن ينتج عن الحوار تصورٌ واضحٌ لحدود تلك المفاهيم ولمجالات تطبيقها العملية، يترتب عليه بعد ذلك نوعٌ من الممارسات العملية والقرارات السياسية التي تعبّر عن ذلك التصور على أرض الواقع. إن الإصلاح، والسياسي منه تحديداً، يتطلب فعلاً سلسلةً معقدةً وطويلةً من الإجراءات، وهو أكثر تعقيداً وطولاً مما يعتقد البعض بناءً على الحماسة وردود الأفعال. ذلك أنه يتطلب كما ذكرنا وضع قواعد جديدة للحياة السياسية، قد تكون مختلفة كلياً عن القواعد المألوفة السابقة، ويتطلب أيضاً بناء هياكل ومؤسسات قد تختلف عما هو موجود ومُتعارف عليه في الحاضر. وهذا كله ربما يحتاج إلى كوادر سياسية تستطيع استيعاب تلك القواعد والعمل من خلال تلك المؤسسات. لكن الأصعب من هذا كله هو أن عملية الإصلاح تتطلب تشكيل ثقافة جديدة في المجتمع بشكل عام، وهي ثقافة يمكن أن تتضارب مع كثيرٍ من الأعراف والتقاليد السائدة التي اختلطت فيها إلى درجة كبيرة الثوابت بالمتغيرات. من هنا كانت المرحلية مطلوبةً. ومن هنا كان تحديد المراحل ضرورياً. ومن هنا كان تحرير ما ينطبق عليه مفهوم الاستعجال أساسياً. لكي لا يتم خلط المراحل، ولكي لا يجري خلط المفاهيم. فالموازنات الدقيقة والتدرج هما محور عملية الإصلاح. وإذا ما تم السير وفقاً لتلك الموازنات وذلك التدرج، فإن ثقافة الجماهير يمكن أن تتكشف عن درجات من النضوج والوعي والاستيعاب ربما يستغربها الكثيرون، وبشكل يتأكدُ به احترامُ النفس واحترام الآخرين. waelmerza@hotmail.com
مشاركة :