في (جدية) الإصلاح الديني وسط الضغوط العالمية (٢) | وائل مرزا

  • 8/20/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ثمة إحصاءات، نجهل بعضها ونتجاهل بعضها الآخر، تحمل إشارات حساسة لضرورة فتح ملف الإصلاح الديني، على الأقل بالنسبة لمن يهمهم فعلاً شأن الدين. فمِن توجهِ شباب العرب والمسلمين إلى (الإلحاد)، مروراً بازدياد ملحوظ لظاهرة خلع الحجاب، وصولاً إلى تصاعد الغلو والتطرف، نجد أزمة هوية تُعبر عن نفسها عبر استقطاب في اتجاهين متضادين، خاصةً بين شرائح الشباب المذكورة. ففي ظل ما يمكن أن نسميه الضغط (الحضاري) العالمي، بتجلياته السياسية والاقتصادية، ومع الفقر المدقع في جهود الإصلاح من قبل علماء ورجال دين وخبراء ومثقفين يُفترض فيهم الاهتمام بهذه المسألة، وباعتبارنا نعيش في عصر ثورة الإعلام والمعلومات والمعرفة والاتصالات، لاتجد تلك الشرائح إجابات في الإسلام، بفهمه التقليدي السائد، على الأسئلة الكبرى التي يقذفها العالم المعاصر في وجههم بشكلٍ سريعٍ ومتكررٍ ومُلحّ. قد يقبل البعض نظرياً بضرورة العمل على الإصلاح وسط الضغوط، لكن المأزق يكمن دائماً في طبيعة وجدوى أساليب الإصلاح حين ننتقل من النظرية إلى الواقع. لن ينفع في شأن الإصلاح الديني، مثلاً، استبدال طاقمٍ بطاقمٍ آخر ينتشر أفراده هنا وهناك في مجالات الرأي والثقافة والإعلام. لاينفع أن نلغي بعض المصطلحات لنستحضر في خطابنا مصطلحاتٍ بديلة عنها. لايكفي أن نعلن ليل نهار وقوفنا ضد الغلو والتطرف. ولايكفي أن يصبح التغني بقيم الإسلام الحضارية معزوفةً مكرورةً نطرحها في كل محفل. إن الوقوف عند هذه الممارسات مأساةٌ مزدوجة. لأن من يقوم بها يخدع نفسه ويقع في الوهم بأنه قام بالواجب وأدى المطلوب. الأمر الذي يمثل دعوة للعودة إلى مواقع الكسل والاسترخاء والطمأنينة الكاذبة. فكل ماتفعله تلك الممارسات هو وضع غطاءٍ شفاف وملوّن على المشكلة الحقيقية التي تتعلق بطريقة فهم الدين وطريقة تنزيله على الواقع المعاصر. وهي مشكلةٌ تحتاج إلى ثورةٍ فكريةٍ حقيقيةٍ بكل المقاييس. وهذه الثورة التي نتحدث عنها لاتحتاج فقط إلى طرحٍ جديد، وإلى رؤىً مختلفة في كل المجالات. وإنما تحتاج أيضاً إلى رجال، ونساء، جُدد أحياناً. والثورة التي نتحدث عنها تتجاوز خطابين يقدمان طروحات تدّعي حمل لواء التغيير لطريقة فهم الإسلام ولطريقة تنزيله على الواقع الإنساني في هذا الزمان. الطرح الأول مليء بالتناقضات، حيث ترى من البعض موقفاً يوحي بالأصالة الثورية في مقام، ثم ترى جملة مواقف تنبع من عمق الفكر التقليدي الحَرفي الجامد. والطرح الثاني مهووسٌ بالتردد، حيث تسمع، على انفراد، رأياً ينبثق من صُلب الفكر التجديدي، ثم تجد في العلن موقفاً بعيداً عن مقتضيات ذلك الرأي. هذان طرحان يجب أن تتجاوزهما الثورة المطلوبة. وتتجاوز معه جملة قضايا أخرى، منها ذلك الخطاب الماهر في طرح الآراء والمواقف القابلة لأكثر من تأويل، والخطاب الذي يتقن الحديث في كل موقع بما يناسب الموقع ومَن يوجد فيه، وخطابٌ ثالث ذلك يجمع بين قناعةٍ داخليةٍ راسخةٍ، عند أصحابه، بفهم تقليدي للإسلام هو من أسباب المشكلة، وبين كلامٍ معلنٍ يستصحب ضرورات الواقع، ببراغماتية وأحياناً تُقية، باستخدام بعض الكلمات والألفاظ (الرائجة). والبعض يتحدث عن التدرّج والأولويات، لكنه لايترك مجالاً لإمكانية خطئه في الحسابات فيما يتعلق بصواب معرفته المتعلقة بالأولويات والتدرج المتعلق بها. كأن يكون تدرّجُه أقربَ إلى البُطء القاتل، أو تكون أولوياته في غير مكانها، أو أن ينطلق في تعامله مع هذه القضايا من الخلط بين الحاجات والمصالح العامة والحاجات والمصالح الخاصة. إلى غير ذلك من الاحتمالات. ومن غير المنطقي هنا إغفال جوانب الضعف الإنساني المتعلقة بالموضوع. فمشكلة (تبعية العلماء للعامة) موجودةٌ في تاريخنا وحاضرنا. وهناك من يربط بين موقعه ومصير الإسلام، فيحرص على بقائه في الموقع حرصاً على الدين. والاجتهاد الدقيق يحتاج إلى بحثٍ مُضنٍ وعملٍ وجهد، في حين أن قبول الرأي السائد لايحتاج إلا لمراجعة المحفوظ وترديده، وهذا أقرب للراحة النفسية والجسدية. لامفر من القول أيضاً أن رفض الإصلاح الديني، في خضم الضغوط الدولية الراهنة، كثيراً ماينبع من التماهي مع الإسلام، بمعنى (أنا الإسلامُ والإسلامُ أنا)، حتى لو لم يُنطق ذلك بلسان المقال. فالتحديات كبيرةٌ والمهمة صعبةٌ وشاقة. وفي مقابل هذا، يبدو واضحاً أن رافضي الإصلاح في وسط الضغوط ينطلقون من ذلك التماهي، فيجعلون الإسلام الكبير صغيراً، حين يُضفُون عليه، دون أن يدروا، كل مافيهم هُم من ضعفٍ ومَحدودية وقصور. قد تبدو كلمة «الثورة» التي ذكرنا أنها مطلوبة لتحقيق الإصلاح كبيرةً لدى البعض، ورومانسيةً عند آخرين. لكن معرفةً حقيقية بسنن وقوانين الاجتماع البشري، وقراءة واقع العرب في السنوات الأخيرة، تؤكدان أنها قادمة. waelmerza@hotmail.com

مشاركة :