يبدو واضحاً للجميع أن الشأن الديني في واقعنا العربي، بكل قضاياه الشائكة، أصبح عنصراً مؤثراً قوياً، ليس فقط في صناعة الحاضر، وإنما في مآلات ذلك الواقع ومُستقبله. ومع طبيعة الاستقطاب الذي تخلقه الأوضاع في المنطقة والضغوط الكبرى عليها، يصبح الحديث في ذلك الشأن واقعاً في ذلك الاستقطاب نفسه. فإما التركيزُ، من قِبل شرائح، على إدانته بكل تعميم، واختزاله فقط في العبارة المُختزلة أصلاً: «الحرب على الإرهاب». أو استدعاؤهُ، من شرائح أخرى، بكل ملامحه الحماسية والشعاراتية للتعامل مع الضغوط المذكورة. تُغفلُ المقولة الأولى كل التعقيد الكامن وراء اختزالها وتبسيطها المُخل نظرياً وعملياً للمسألة، ولاتنتبه أنها، بهذا، تُبقي الشأن الديني جزءاً من المشكلة. بالمقابل، تقفز المقولة الثانية على حقيقة الحاجة إلى استمرار الحاجة للحديث في الإصلاح الديني، والعمل الجدي عليه، في مثل هذه الظروف تحديداً، وأكثر من أي وقتٍ آخر. وفي مثل هذه الظروف، تشيع مقولة ضرورة تأجيل الحديث عن الإصلاح والعمل عليه بسبب الضغوط الراهنة، وأن هذه الممارسة، في هذه الأحوال، ترفٌ لاحاجة له ولامكان. تُحيلُ الظاهرة أعلاهُ إلى مدخلٍ آخر لتفسير ظاهرة التَشنُّج من عملية الإصلاح تتعلق بمقولة (الخوف على الإسلام). إذ يبدو هذا الخوف، إلى درجة الهوس أحياناً، مُحرِّكاً لكثيرٍ من المواقف، خاصةً في ظروف الأزمات. وفي حين يبدو واضحاً، من ممارسات البعض، أن المقولة إنما (تُوظف) في نهاية المطاف للحفاظ على مكتسبات شخصية أو حزبية، تَصدﱡراً للمشهد الاجتماعي و/ أو السياسي، وبحثاً عن الأتباع والمريدين، وحفاظاً على مصادر النفوذ والقوة، إلا أن شرائح أخرى تبدو صادقةً مع نفسها في (خوفها) المذكور. المشكلة في الموضوع أن خوف هؤلاء من الإصلاح الجدي، بسبب صدقهم في الخوف على الإسلام، يبدو، بنظرةٍ عميقة، أكثر خطورةً على الإسلام نفسه من خوف الشريحة الأولى. ففي حين تكشف الوقائع والأحداث حقيقة دوافع أصحاب المصالح، كما يحصل دائماً في نهاية المطاف، يتضارب هذا النوع (الصادق) من (الخوف)، وبهذه الطريقة، مع منهج القرآن نفسه بأكثر من طريقة. فهذا الخوف يتناقض مع قضايا أساسية وجوهرية، يؤمن بها المسلمون جميعاً، ومنهم (الخائفون) المذكورون. فهم إذ يؤمنون بأن الإسلام مصدرهُ إلهٌ خالقٌ وقادر، وبأنه تَكفَّل بحفظ (الذكر)، ويؤمنون بخلود الإسلام، وكل مايتعلق بهذه المواضيع فلسفياً ومعرفياً وعملياً، فإن خوفهم عليه برفض الإصلاح، يُزعزع، منطقياً، التصديق بقوة إيمانهم. نقولها بصراحةٍ وشفافية، للتفكير فيها بقوةٍ وتجرد. بالمقابل، تُظهر ممارساتُ (الخوف على الإسلام)، الرافض للإصلاح، إنساناً يعيش في هذه الدنيا بنفسية المذعور فيها ومنها، بدلاً من أن تُظهر إنساناً كبيراً قوياً واثقاً بنفسه ورؤيته الحضارية، يجابهُ الواقع بممارساته ومواقفه، من خلال إيمانه الحقيقي بعزة دينه، بعيداً عن الشعارات الكلامية من جهة، وبعيداً، من جهةٍ أخرى، عن بعض مظاهر العنف والقوة الاستعراضية الفارغة نهايةَ المطاف. هكذا، يَظلمُ العرب عامةً، والإسلاميون منهم تحديداً، والسوريون خاصةً، الإسلام كثيراً، ويظلمون معه المسلمين والعالم بأسره. يظلمونه أكثر من أي جهةٍ أخرى يعتقدون أنها تُعادي الإسلام وتُشكِّلُ خطراً عليه. فهم يُقزﱢمونه بدعوى الخوفِ عليه، وخاصةً حين يرفضون الإصلاح ويُصرُّون بشكلٍ غريب على تجنب أسبابه. فالواقع الراهن الماثل أمام أعينهم، أو ما يُسمى ضغوطاً عالمية سياسية وعسكرية وثقافية، مليءٌ بالتحديات والأسئلة الصعبة التي تحتاج إلى مواجهتها بشكلٍ واضحٍ وشجاع، وبكل شفافيةٍ وجرأة، اليوم والآن، بدون تأجيل، وبعيداً عن خوفٍ كاذبٍ على الدين يخنق في نهاية المطاف قدرته على التعامل مع الضغوط، وتقديم الإجابات على تلك الأسئلة. waelmerza@hotmail.com
مشاركة :