خلال رحلتي الأخيرة إلى أمريكا ارتدتُ عيادةً مختصة بالعمود الفقريّ تعالجُ بوسائل طبيعية وأعشاب، وتبتعد كل البُعد عن الكيماويات والعقاقير وسواها، ويُسمّى المختصون في هذا النوع من العلاج (Chiropractor). وفي هذه العيادة المتخصصة كان طبيبي من أشهر وألمع المختصين في هذا المجال. وعرفتُ من اليوم الأول أنه يهوديٌّ فاسمه: مايكل (كوهين).. وفي بداية تعاملي مع هذا الطبيب ما كان يحتاج إلى كثير من التفكير ليدرك أنّي مسلم، فاسمي محمد، وعرّفته بنفسي أكثر حينما أخبرته أني سعوديّ، وأخذنا نتبادل أطراف الحديث في شؤونٍ شتّى، حتى وفاة المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- فبادر إلى تعزيتي في الفقيد الكبير، فشكرته على ذلك، وتبيّن من حديثه أنه يعرف الكثير عن فقيد الأمة، فذكر لي أنه كان رجلاً حكيمًا، وملكًا محنَّكًا، ورجلَ سلامٍ يدعو إلى التعايش بين أصحاب الحضارات والديانات المختلفة، فسررتُ لذلك كثيرًا، ولم يبرح أن سألني: هل سبق لك أن قابلت الملك الراحل؟ قلت: "عشر مرات أو أكثر". وبالطبع وفّقني الله أن أقابله، وأشرف في مهرجان الجنادرية، وفي حفل الغداء أو العشاء الذي كان يقيمه في قصره في كل مهرجان، ناهيك عن السلام عليه عدّة مرات بجدة، أو الرياض. عاد ليسألني هذا الطبيب: وهل حصل أن قابلت الملك سلمان؟ قلت مرارًا كذلك، وأخبرته أني تشرّفتُ بدعوة لي في العام الماضي لحفل عشاء في رمضان في قصره بجدة، على شرف رئيس وزراء البحرين. وعاجلتُ هذا الطبيب بتوضيح مهم: أن مقابلتي لحُكَّام بلادي ليس بدعًا، أو لأني أستاذٌ جامعيٌّ، أو كاتبٌ إعلاميٌّ، بل إن جميع فئات الشعب يمكن لها مقابلة الملك بسهولة فائقة، وفي مواعيد معروفة وقريبة، لأن الملك من الشعب. وبادرته بسؤال: أنتم تعتبرون أنفسكم قادة الديمقراطية في العالم، فقل لي: هل قابلت أوباما يومًا؟ أو هل تستطيع أن تقابله، وأنت طبيب ذائع الصيت؟ فأجاب "بالطبع لا" وإن سعيتُ لذلك فقد أتمكّن من مقابلته بعد سنوات، وقد لا أتمكن! وأبدى لي إعجابه الشديد بما قلته عن إمكانية مقابلة الملك بسهولة في بلادنا، وتحدّثنا عن علاقة المسلمين بأصحاب الديانات الأخرى، وخصوصًا اليهود، وقلت له: إننا لا نناصبهم العداء لمجرد أنهم يهود، بل لأنهم غاصبون لأرضنا، وحقوقنا، والدليل أنه قبل قيام الكيان الإسرائيلي كان اليهود يعيشون في كل الدول العربية معزّزين مكرّمين، كما أن تأريخنا الإسلامي يعجُّ بالقصص التي تثبت إعطاء المسلمين للذميين كل حقوقهم، ورويت له قصة سيدنا علي -رضي الله عنه- مع اليهودي حين اختصما لدى القاضي حول درع، وحكم القاضي لليهودي، وكان علي -رضي الله عنه- خليفة. ذلك بعض ما دار من حوارات مع هذا الطبيب اليهوديّ، وقد استكمل بقية الحوارات في مقالات قادمة إن شاء الله. Moraif@kau.edu.sa
مشاركة :