فاز ترامب في الانتخابات الأمريكية، ولو فازت هيلاري، أي لو أن أيًا منهما فاز فماذا يعني ذلك؟! أو ماذا بعد؟ النتيجة واحدة، وكما نقول نحن المكيين: «ما أخس من الخلّ إلا الخردل»، ديمقراطيون أو جمهوريون لا يتفاوتون إلا في السوء، وقد يتساوون في السوء، فلا حزب الحمار، ولا حزب الفيل لهما تأريخ مشرف في العالم كله، وفي عالمنا العربي والشرق الأوسط خاصة، فعامًا بعد عام تزداد مشكلات منطقتنا سوءًا وتعقيدًا، ويزداد الموقف الأمريكي منها غموضًا، حتى بلغت هذه المشكلات والتعقيدات ذروتها إبان تنصيب الرئيس الجديد، إذ يتولى ترامب الرئاسة والعالم العربي ممزق شر ممزق، والصراع فيه تحول نهائيًا وإلى الأبد بين العرب وإسرائيل إلى نزاع وصراع بين السنة العرب والشيعة العرب، وسلّطت الأضواء في العالم كله على هذا الصراع الجديد الذي أكل الأخضر واليابس، ولم يعد هناك ذكر ولو عرضًا لقضية العرب والمسلمين الأولى، فأين العرب والمسلمون ليحلّوها وهم عاجزون عن حل قضاياهم المتشابكة المدمرة التي لم يعيشوا مثلها خلال تأريخهم كله؟ لذلك فإن المتتبع لحملتي ترامب وكلينتون منذ بدئها وحتى ساعة الحسم لم يسمع كلمة واحدة أو وعدًا واحدًا ذا علاقة بالقضية الفلسطينية مقابل أحاديث طويلة عن محاربة الإرهاب الذي إن أطلق فلا يراد به إلا «التطرف الإسلامي»، كما يسمى، بل وصل بهم الأمر إلى الحديث عن الإسلام نفسه وليس التطرف الإسلامي، بدأ ذلك من أواخر عهد أوباما، واستمر بوضوح في حملة الانتخابات الأخيرة ومرّ كل هذا بهدوء تام إذ لم تنتقده أي جهة ذات بال إسلامية كانت أو غير إسلامية. إلا أنه كان بمثابة أنبوبة اختبار تدل على أن أي حديث يسيء إلى الإسلام والمسلمين في العالم أصبح مقبولًا وبدهيًا، بعد أن ألصقت بهم دون غيرهم كل تهم الإرهاب والتطرف والكراهية وذلك يشي بمستقبل مظلم للمسلمين عامة في أمريكا، يضرهم بشكل أو بآخر حتى لو اقتصر ذلك على تشديد شروط منح التأشيرات الأمريكية للمسلمين، ومتابعتهم وملاحقتهم الدائمة داخل أمريكا، أما ما يخيف حقًا في خضم ما حصل في الانتخابات الأخيرة، فهوم علاقة ترامب الجيدة بقيصر روسيا، الذي لا يتوعد المسلمين ويرغي ويزبد، وإنما يضربهم ويقصفهم ويدمر ديارهم وينصر أعداءهم من الرافضة والباطنية على أرض الواقع، ورغم كل ما يقال عن أن رئيس أمريكا ليس مطلق الصلاحية في تحسين وتوطيد علاقاته مع الروس، إلا أن المعادلة قد تتغير مع وجود الغالبية في الكونجرس من الجمهوريين، ناهيك عن توافق (الإيديولوجيا) الجديدة في أمريكا القائمة على نبذ الآخر واضطهاد الأقليات وإحياء العنصرية من جديد، مع أيديولوجيا بوتين المسيحي الأرثوذكسي، المتدين الوحيد من زعماء الروس بعد آخر قيصر ومرورًا بالبلاشفة الملحدين جميعًا وانتهاءً بيلتسين الذي كان محايدًا مع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، فلو اتفق الدب والفيل، فإن العواقب ستكون كارثية على المسلمين خاصة وعلى كل حال، فان فوز كلينتون ما كان ليكون أفضل إلى حد بعيد، ولكن كما يقال دائمًا إن بعض الشر أهون من بعضه، فها هي ثماني سنوات مرت على حكم الديمقراطيين لم نشهد فيها إلا الكارثة تلو الكارثة حتى عاد العالم العربي مائة عام إلى الوراء، وكان حاله أيام الاستعمار أفضل حالًا من اليوم مائة مرة، وكما يقول أهل مكة مجددًا: «ما أخس من الخلّ إلا الخردل». Moraif@kau.edu.sa
مشاركة :