نحن نشارك لا شعوريًّا في معارك يومية، ونظن أننا نكسب هذه المعارك. والحقيقة أننا لا نكسب إلاّ كسر الصف والضرر بأوطاننا. يومًا ما كانت "بلخ" حضارة على قدر من الازدهار، لكنها كانت مسرحًا للحروب المذهبية والاجتماعية، فانهارت فورًا أمام هجوم جيش يصفه "الفردوسي" بأنه جيش من العراة. كنا في السابق نرى أن الحل في يد نخبنا، إلاّ أنّه بات جليًّا اليوم أن المشكلة تكمن في هذه النخب أيًّا كانت هذه: إعلامية، أو ثقافية، أو حتى دينية، لا أذكر كم مرةً سمعت هذه اللفظة مؤخرًا: "فلان! كلنا يعرف تاريخه...!" وعندما سئل أحد من يفترض أنه من العلماء عن قاعدة "نتفق على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا عليه" ردَّ على الفور بأن هذا هراء، وموافقة للآخر على الباطل! وهو ردٌّ دائمٌ لمَن يظنون أنهم يمتلكون الحقيقة وحدهم.. وبالنسبة للمثقفين تظل المعضلة في تحوّل أي طرح إلى "مباراةٍ" فكرية، وتهويماتٍ نظرية تطيح بالفكرة الأساسية نفسها! لقد خلقنا الله مختلفين ليكمل بعضنا بعضًا، وفي الاعتراض على هذه السنة الكونية اعتراض على مشيئة الخالق. لعل الطرق متعددة للخروج من هذ المأزق، وهذا ربما يكون أحدها: الانشغال بالعمل والنفس، ليس من الضروري للجميع أن يفرض رأيه وبقوة دون علم في جميع المجالات، ويترك ذلك لصاحب المجال، تقديم حسن النية في الحوارات، وإظهار شيء من أدب الحوار، ومنه: الإنصات وعدم المقاطعة، إظهار الاهتمام بما يقوله الطرف الآخر، والتعليق بكلمات مثل "نعم، جميل"، استخدام كلمات مثل: يبدو لي.. إن لم أكن مخطئًا.. لعلي أخطأت عندما قلت كذا.. لعلك تقصد، تغيير نمط الذهنية التي تعتقد أنها تمتلك حقيقة كل شيء إلى ذهنية الباحث عن الحقيقة أيًّا كان مصدرها، أن يكون الهدف وحدة الصف لا وحدة الرأي، وحدة القلوب لا العقول.
مشاركة :