تتيح "الرقمنة" فرصا لتحسين المالية العامة. فمن شأن تطبيق "الرقمنة" على مستوى الحكومات تحسين آليات إبلاغ المعاملات، ومن ثم زيادة الإيرادات المتأتية من ضريبة القيمة المضافة والتعريفة الجمركية والمصادر الأخرى. وتشير التحليلات إلى أنه في حالة صعود الاقتصادات الآسيوية، حيث تكون في منتصف المسافة من الحدود العالمية، قد ترتفع إيرادات ضريبة القيمة المضافة بنسبة 0. 6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وبالنسبة لبلدان رابطة أمم جنوب شرقي آسيا، تقدر المكاسب بنحو 1. 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، و2. 5 في المائة تقريبا من إجمالي الناتج المحلي بالنسبة للدول الآسيوية الصغرى، التي عادة ما تكون أبعد عن الحدود العالمية. وتسهم هذه التكنولوجيات الجديدة في أتمتة الأنشطة متزايدة التعقيد التي كان أداؤها يعتمد في السابق على العنصر البشري فقط. وتلوح في الأفق تحولات كبيرة قد تكون بأهمية التحولات التاريخية نفسها التي أسهمت في انتقال البشرية من حياة الزراعة والصناعة، ما يفرض تحديات جديدة على صناع السياسات. وهذه الموجة الجديدة من التدمير الخلاق ستسهم في إحداث تحول على جانب الوظائف والمهارات، حيث ستختفي الوظائف والشركات القديمة وتظهر وظائف وشركات جديدة. وفي السابق، كان من الصعب التكيف مع التغيير، ولم تكن المكاسب موزعة على نحو متكافئ. ومن المحتمل أيضا أن تؤدي موجة الأتمتة الجديدة إلى زيادة البطالة الهيكلية، ولا سيما بالنسبة للعمالة الأكبر سنا وغير الماهرة، وذلك إذا لم يكن من الممكن إتاحة فرص بديلة جديدة للعاملين الذين يتم إحلالهم، ما يمكن معه زيادة عدم المساواة. وتمثل الأتمتة من خلال الروبوتات الصناعية أحد المجالات التي تتفوق فيها آسيا بوضوح، حيث يتركز ثلثا الروبوتات الصناعية على مستوى العالم في المنطقة. ونحلل في دراستنا أثر استخدام الروبوتات على معدلات التوظيف في عينة كبيرة من البلدان في آسيا وأوروبا والأمريكيتين. وعلى عكس مخاوف بعضهم، توصلنا إلى أن المكاسب على جانب الإنتاجية وعلى جانب إيجاد فرص العمل، بالتالي من الممكن أن تكون قد وازنت الآثار السلبية الناتجة عن زوال الوظائف القديمة. ولكن إذا ركزنا على آسيا دون غيرها، سنجد أثرا سلبيا طفيفا في مستوى توظيف العمالة الكلي، ولا سيما في القطاعات التي أصبحت كثيفة الاعتماد على الأتمتة، مثل قطاعي الإلكترونيات والسيارات. وعلى غرار الدراسات الأخرى، توصلنا إلى أن العاملين ذوي التعليم المتوسط يكونون أكثر عرضة للإحلال، مقارنة بالعاملين ذوي التعليم المنخفض أو العالي، نظرا لأن الوظائف الأكثر قابلية للأتمتة تنطوي عادة على مهام روتينية يؤديها عمال متوسطو المهارات. وفي ظل تناقص القوة العاملة في اليابان، تؤدي زيادة كثافة استخدام الروبوتات في عمليات التصنيع إلى زيادة الإنتاجية وتحقيق مكاسب محلية على جانب مستويات توظيف العمالة والأجور. وتشير تجربة اليابان إلى أن البلدان، مثل الصين وكوريا وتايلاند، التي ستشهد اتجاهات ديموغرافية مماثلة في المستقبل، قد تستفيد هي الأخرى من الأتمتة. وخلال الفترة المقبلة، سيمكن لبعض التكنولوجيات الرقمية الحديثة إعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية التي تضطلع الاقتصادات الآسيوية بأدوار أساسية فيها. وعادة ما كانت الصناعة التحويلية في آسيا تعتمد على العمالة منخفضة التكلفة وقليلة المهارات نسبيا. ولكن الذكاء الاصطناعي واستخدام الروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد جميعها عناصر يتوقع أن تحد من المنافسة على أساس الأجور، ما سيحدث تحولا في طبيعة الصناعة التحويلية، وربما سيؤدي إلى عودة الإنتاج إلى الاقتصادات المتقدمة. وتشير الشواهد الواقعية إلى أن الإنتاج في طريقه بالفعل إلى العودة إلى الاقتصادات المتقدمة، وقد تواجه الاقتصادات التي تتركز فيها مجموعات كبيرة من العمالة منخفضة المهارات ضغوطا لتطبيق نماذج نمو جديدة تماما. وإن كانت المنصات الرقمية قد تؤدي إلى تعظيم منافع التجارة الإلكترونية، فإنها تنطوي على مشكلات متصلة بالمنافسة. فوفورات الحجم قد تؤدي إلى استحواذ الطرف الأقوى على جميع المزايا، ما قد يؤثر سلبا في المنافسة، ولا سيما عندما يتسع نطاق منصات التجارة الإلكترونية. كذلك، فإن الآثار الشبكية تجعل من الصعب على شركات التجزئة والبيع استخدام منصات أخرى، ما يزيد من القوة السوقية لهذه المنصات. وقد تنطوي المنصات الرقمية أيضا على خطر تآكل الوعاء الضريبي. فعلى سبيل المثال، نجد أن منصات الخدمات بين النظراء أو الشركات الآسيوية المنافسة، تتيح لمنفذي المعاملات التي عادة ما يتم إجراؤها في قطاعات منظمة تخضع لضرائب مرتفعة، مثل خدمات التاكسي أو الفنادق، التحايل على دفع الضريبة أو التهرب منها. في حين أن الثورة الرقمية واقعة لا محالة، تتوقف نتائجها -سواء كانت جيدة أم سيئة- على السياسات. إذ ينبغي أن توازن السياسات بين تمكين التقدم الرقمي ومواجهة المخاطر. وتتضمن السياسات الهادفة إلى الاستفادة من المكاسب الرقمية: تطوير التعليم لتلبية الطلب على مجموعات المهارات الأكثر مرونة والتعلم المستمر، وتوفير برامج تدريبية جديدة، ولا سيما للعاملين الذين يقع عليهم التأثير السلبي الأكبر؛ والحد من عدم الاتساق بين مهارات العاملين والمهارات التي تتطلبها الوظائف؛ والاستثمار في البنية التحتية المادية والتنظيمية التي من شأنها دعم المنافسة والابتكار؛ ومواجهة التحديات المرتبطة بسوق العمل والتحديات الاجتماعية، بما في ذلك إعادة توزيع الدخل وشبكات الأمان. ونظرا لأن هذه التكنولوجيات ذات انتشار عالمي بطبيعتها، سيكون من الضروري التعاون إقليميا ودوليا لوضع سياسات فعالة لمواجهة تبعات هذه التكنولوجيات. وكلما زاد استعداد المجتمع لدعم المتخلفين عن الركب، زادت سرعة معدلات الابتكار، وأمكن ضمان استفادة الجميع من هذه المنافع. ومع تطبيق السياسات الملائمة، يمكن أن تكون الثورة الرقمية بمنزلة محرك جديد للنمو والرخاء في آسيا والعالم أجمع.
مشاركة :