تعمدت أن أتأخر في كتابة الجزء الثاني من مقالتي التي نشرتها مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عن أمانة مدينة جدة، لأسمح لأمينها الجديد المزيد من الوقت، وها هو قد مضى على تعيينه 120 يوماً والناس يتساءلون ما هو الجديد لديه بعد جملة الانتقادات التي أطلقها بعد أسابيع من تعيينه، من سوء أحوال هذه المدينة الحالمة وما تعانيه من إهمال. فيما مضى عانت جدة من تزاحم المخططات السكنية وانتشارها وظهورها بشكل لافت في كل مكان، سواء بشوارع غريبة أو أحياء غير مخططة وأسعار متضاربة، وظهرت معها مخططات لأراضٍ مسروقة يكتشف الناس أنها غير مملوكة لصاحب العقار أو وضع يد وغيرها من المخالفات، وأمام انتشار المخططات السكنية غير مكتملة الخدمات من كهرباء ومياه أو حتى صرف صحي، بل إن الكثير من الأحياء بقيت مهجورة ومظلمة شوارعها لأن خدمات البلديات لم تصل إليها، بل إن هذه المخططات أقيمت فيها أنشطة تجارة ومحال ومحطات من دون رقابة البلدية وسلامة البيئة، فظهرت مطاعم غير مرخصة، ليس هذا فحسب، بل إن الكثير من الأحياء القديمة، عرفت في السابق بإهمال الخدمات من قبل المؤسسات الحكومية ومعها البلدية، من عدم إنارة أو سفلتة، ولا تزال هذه الأحياء مهملة بحجة أنها أحياء عشوائية، وهذا الموضوع يجب أن تضع أمانة جدة له حلاً مؤقتاً أو سريعاً، من غير المعقول أن تكون أحياء مأهولة بالسكان ولا يحظى سكانها بالخدمات من باب المساواة في التعامل، على أن يسمح لهم بالترميم ومنح التراخيص للمحال التجارية وإيصال الخدمات لهم، ومتى ما توصلت الجهات المختصة إلى تسوية مع أصحاب البيوت في بيعها أو هدمها يغادرون من دون أي مشقة، وطالما أنهم يسكنون فيها ما المانع أن ينعموا بالخدمات، ولا يتسلط عليه مسؤول نافذ ويحرمهم من الخدمات بحجة أنها عشوائية، وفي الأيام الأخيرة انتشرت بعض تصريحات للأمين صالح التركي، يقول إنه لن يوقّع على مخطط غير مكتمل الخدمات، وهذا تصريح جميل ويجعلك تشعر بطمأنينة أن تنفيذ هذه الخطوة هو أول الطريق لمكافحة الأحياء العشوائية، ومن غير المعقول أن تصل المياه والكهرباء والصرف الصحي والهاتف وتسفلت الطريق وبعدها تقول إن هذا الحي عشوائي وغير نظامي، فهذا يعني أن هناك خللاً منذ البداية لم يلتفت إليه أحد من الجهات الحكومية الرقابية، وحينما ظهرت ونمت هذه الأحياء يواجهون العشوائية ببيعها لشركات تطويرية لإقامة فنادق ومنتجعات، وإلزام السكان بمغادرة بيوتهم أو بيعها بأبخس الأثمان بدعوى التطوير، وهذا الموضوع يحتاج إلى التفكير بعقلية اجتماعية. أما الموضوع الثاني الذي لفت انتباهي منذ أكثر من شهرين، هو أن التركي يريد أن يبعد شبح الخوف من الأمطار عن أهالي جدة وما يسببه من آثار نفسية عليهم، لأنه يخلف خسائر في الممتلكات وكذلك خسائر اقتصادية، فهي مدينة تبدو من مظهرها أنها جميلة وفي كامل زينتها، إلا أنها تعاني من أمراض عدة، وأهمها الأمطار والسيول، ولاحظت في شوارعها وأحيائها حفريات وأنابيب تتعلق بشبكات تصريف مياه الأمطار. أمين جدة يريد أن يوجه رسالة إلى أهالي المحافظة يؤكد فيها رغبته بإنهاء هذه المشكلة للأبد، وينهي حالة الخوف والذعر من هطول الأمطار، وبالفعل، بدأت الحفريات وأعمال إغلاق وتضييق بعض الشوارع لحين الانتهاء من هذه المشروعات والتي خصص لها أكثر من خمسة بليونات ريال. إذن، هناك موضوعان مهمان تحدث عنهما أمين محافظة جدة، وهما عدم التوقيع لأي مخطط سكني ما لم تستكمل الخدمات، وإنهاء مشكلة خوف سكان جدة من الأمطار بمد شبكة لتصريفها. الشيء اللافت أن صالح التركي يضع إصبعه على مواقع الألم ويريد أن يخرج بحل، وهذا المؤمل منه، وفي تصريحات صحافية قال أيضاً إنه منزعج من انعدام الحدائق، وانتشار الحفر، وهو يحاول انعاش المدينة وإعادتها للحياة مجدداً، إضافة إلى أنه يريد أن يكثف مشاريعه التي تهتم بالخدمات ومن بينها الإنارة والسفلتة والحدائق والنظافة. هذه التصريحات ليست للاستهلاك الإعلامي طالما تحدث بها التركي، فهو مسؤول أمام أهالي جدة عنها، وبالتأكيد سيحسب للأمين الجديد لو أنه وضع لها هيكلاً يسير من بعده الأمناء وتصبح جدة ضمن أفضل 100 مدينة عالمية. جدة من يأتي إليها من الخارج سيكتشف أنها مدينة مبعثرة غير مرتبة، ولا يعرف هل هي مدينة الأثرياء ورجال الأعمال المؤثرين على اقتصاد البلد، أم هي مدينة ديبلوماسية، إذ إنها خليط من كل الجنسيات ويأتي إليها الزوار سياحاً، أم هي بوابة الحرمين، وللأسف لا توجد بها وسائل نقل عالية الجودة ولا طرقات مريحة، الشيء الجميل الذي أعطى لمدينة جدة قيمة إضافية، التحسينات التي تمت في كورنيشها وبعض الجماليات، إنما لا تزال شوارعها مزدحمة ومكتظة بالسيارات، كما أن بعض المسميات لبعض الأحياء كانت في السابق مرعبة ولا تزال، ونأمل أن تتغير، مثل الكرنتينا وسوق الصواريخ والخمرة وبعض الأحياء التي تبدو أنها أحياء وادعة بينما هي في الواقع أماكن لممارسة كل ما هو ممنوع، من تصنيع وغش وتهريب وتقليد. صناعة البصمة في أداء العمل مسألة شاقة، وتحتاج إلى فريق عمل يحولون الأفكار إلى واقع، وأعتقد أن صالح التركي وهو القادم من صفوف رجال الأعمال وأصحاب الشركات التي تميزت في أدائها، قادر على أن يترك بصمة في مدينة جدة خلال فترة عمله في أمانتها.. وهذا هو التحدي الأكبر. * كاتب وصحافي اقتصادي. @jbanoon
مشاركة :