يمكن القول بأن الخطاب الإسلامي، هو ذلك الخطاب الذي يعتمد على مصادر التشريع الإسلامي، القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومصادر التشريع الأخرى، سواء كان هذا الخطاب (فرديا)، أو صادرًا من جهة إسلامية، أو من مؤسسات الدعوة المختلفة، الرسمية أو غير الرسمية. ويسعى الخطاب الإسلامي، لنشر معالم الدين الإسلامي، العقيدة والشريعة والمعاملات والأخلاق، وتبليغ الناس بكل ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، امتثالا لأوامر الدين، الداعية إلى الدعوة إلى الله بالحسنى. (mawdoo3..com). ويمتاز (خطابنا الإسلامي) بأنه (وسطي) و(شامل) بجميع أوجه الحياة المختلفة، و(سهل) مراعاة للفروق الفردية بين الناس، وهو خطاب يفهمه المتعلم والمثقف والمفكر والطالب والغني والفقير، ويراعى القدرات العقلية المختلفة ين الناس. ويستحوذ الخطاب الإسلامي اليوم على اهتمام النخب المختلفة، حيث تنعقد المؤتمرات، وتنشر الأبحاث، وتدور (النقاشات المختلفة)، لمجمل واقع خطابنا الإسلامي المعاصر، وسبل النهوض به، ليواكب مستجدات الحياة المعاصرة، في ظل الثورة المعلوماتية والإلكترونية، ليأخذ دوره الطليعي. لقد أصبحت قضية النهوض بالخطاب الإسلامي وتجديده، من القضايا الحيوية والملحة، نظير المتغيرات السياسية والتي تشهدها الساحة اليوم، من بروز الجماعات المسلحة، وشيوع (الإرهاب الدولي) والذي يتبنى (العنف) وسيلة، فضلا عن تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم، الأمر الذي يفرض على العلماء والمرجعيات الدينية، وقفة مراجعة وتأمل، ومضاعفة الجهود لمحاصرة هذا الفكر الضال المتطرف. وانقسم المسلمون (بين) (مؤيد) و(معارض)، فيما الفئة الأولى اتجهت إلى مراجعة كتب التراث، والتخلص منها، وبناء أبنية علمية رصينة تمثل الحياة الإسلامية الصحيحة المبنية على احترام حقوق الإنسان، والرحمة والتكافل بين المسلمين. فيما الاتجاه الثاني يرى خطورة هذا المنحى، حيث المساس بثوابت الإسلام والمسلمين، وأنه لا يجوز المساس بكتب (التراث) الإسلامي فضلاً عن تجديده. (أحمد السيد النجار www.ahram.org.eg). على أن الإسلام فيه الكثير من القيم الانسانية الرفيعة، وأسس حقوق الإنسان، ومبادئ التسامح والعيش المشترك. وهناك الكثير من الشواهد والأدلة والنصوص الدالة على ذلك. (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، (ارحموا من الأرض يرحمكم من في السماء) (كان رسول الله إذا بعث بسرية دعاهم وأجلسهم بين يديه قائلا.. لا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا صبيا، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرًا إلا أن تضطروا إليها...). (بالعفو تنزل الرحمة). (اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم. وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فأعرضوا عنه). (الناس سواسية كأسنان المشط، ولا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأحمر على أبيض إلا بالتقوى). (المسلمون إخوة، تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على سواهم)، (من قتل معاهدًا لم ير رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا). في رأينا إن الدعوة إلى النهوض بالخطاب الإسلامي، هي دعوة ضرورية يفرضها الواقع المعاش، ولا بد من التركيز على عدة أمور في هذا الأمر. فمنها: إبراز جوهر الدين الصافي في حسن المعاملة مع الناس جميعا، بغض النظر عن انتمائهم العقائدي أو المذهبي أو الديني أو العرقي، تطبيقًا لدعوة الإسلام بالحرص على إرساء قيم المودة والرحمة والسماحة والإحسان والعدل. ومنها: إعادة صياغة جديدة لسبل العلاقة مع الآخر، على ضوء التوجيهات القرآنية وإرشادات السنة النبوية المقدسة، بحيث تقوم على الاحترام المتبادل، وحرية الاعتقاد، وممارسة الشعائر الدينية، والاحتفال بالمناسبات الدينية، من دون ضيق أو ضجر أو إثارة لعوامل الفتنة الدينية والصراع المذهبي المقيت. (اليوم السابع، m.youm7.com). ومنها: أن الدعوة إلى التجديد، لا تعني تغيير الدين، أو تحريفه، بل تعني المحافظة عليه وبأصوله وبمبانيه الأساسية، إنما يُجدَّد الأساليب والطرائق الدعوية وتوصيل المعلومات، وفق منهجية جديدة إصلاحية ومبتكرة. لقد نظَّم الإسلام، علاقتنا مع الآخر، تنظيمًا رائعًا، حيث حرص على مبدأ (الحوار) ومجادلة الطرف الآخر بالحسنى، ولقد أبدع القرآن الكريم بالإشارة إليه، الآية الأولى: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) والآية الثانية (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن...). لقد ترفع الإسلام عن أساليب السب والشتم والتفسيق والتفكير، ويأمرنا بانتهاج الأدب ومكارم الأخلاق عند المجادلة. (انظر: تجديد الخطاب الديني بين الحقيقة والأوهام، السيد علي السلمان، ص. 143/144). إن أصحاب الخطاب التكفيري هم أناس لا يمكن أن تتناقش معهم، فمناهج التكفير تتميز بالتمسك الحرفي بالنصوص بلا تأويل، والتشدد في التعامل بالنص القرآني برؤيتهم هم فقط. لا تراعي ظروف العصر ولا مصالح الإنسان (wwwabl-alquean.com). ولقد حذَّرت المرجعيات الدينية ومنها هيئة كبار العلماء من خطورة هذه المناهج، وجددت على أن الإسلام بريء من هذه المناهج ويقول ابن جبرين: (ذكر أهل العلم أنه لو احتمل المرء الكفر من تسعة وتسعين وجهًا، واحتمل الإيمان من وجه، لحمل الإيمان حسنًا بالظن به). وقالت المرجعيات الدينية: إن ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة، وتفجير المساكن، وتخريب المنشآت، هو عمل إجرامي بكل المقاييس، والإسلام بريء منه». ولربما أسئلة قد تطرح، هل للخطاب الإسلامي لغته الخاصة؟ وهل ثمة ألفاظ أو مصطلحات يجب الإتيان بها؟ ما قصة المصطلحات الجديدة في خطابنا الإسلامي؟ وهل يجوز الإتيان بالمصطلحات الوافدة أو الغربية؟ والحق أنه ليس ثمة ما يوجب استخدام الألفاظ المحددة، والتي لا يمكن تجاوزها في عمليات الخطابة والدعوة، وعليه لا بأس حتى باستخدام المصطلحات الوافدة (راجع: الشيخ حسين الخشن، الخطاب الديني بين المصطلحات الموروثة والمستوردة). ترى ما واقع الخطاب الإسلامي اليوم، أهم ما يميزه وخصائصه؟ نرى أن خطابنا الإسلامي المعاصر تميز بخصائص أو مواصفات، ومنها: التعلق بالماضي فكثير من العلماء أو الخطباء متعلقون بالماضي من حيث المضمون الثقافي أو ما يطرحونه، وكأنهم يعيشون في الزمن الماضي. وهذا ما يطرح من إشكالية أنهم يعيشون في غير عصرهم. ومنها: عدم ملامسة هموم الواقع المعاش، والاكتفاء بالمضمون التراثي والحضاري، فلا ملامسة للواقع المعاش، أو هموم المجتمع، أو بالقضايا المعاصرة، أو مشكلات الشباب، بل وحتى سبل تنمية المجتمعات المحلية، أو القيمة الوطنية، أو الشأن الاقتصادي العام. (راجع: الخطاب الديني والوعي السياسي، د. وجدان فهد جاسم). ومنها: غياب الرؤى المستقبلية ومن الشائع في خطابنا الإسلامي، غياب الاستشراف للمستقبل، أو وضع خطط مستقبلية، ومعرفة مستقبل الأمة بعد عشر سنوات، مثلاً أو أكثر، فيضعنا في إشكالية انعدام رؤية مستقبل الأمة الإسلامية، وعدم الخوض في هذا الحقل. ومنها الاهتمام بالصغائر من دون المشكلات الكبرى، فنرى كثيرا من الدعاة يركزون في خطاباتهم على إطالة اللحية وحرمة حلقها، واستحباب السواك أو التعطر، ويهملون القضايا الكبرى المصيرية، مثل محاربة الفقر، وسبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأسباب انحراف الشباب، وقضايا الحريات وحقوق الإنسان والشورى، وتوزيع الثروات ونحو ذلك، من قضايا ومشكلات مثل العمالة وتحديد الأجور (راجع: المصدر نفسه). ذلك أهم ما امتاز به واقع الخطاب الإسلامي المعاصر، وإذ نقدم هذا الوصف أو التحليل، ليحدونا الأمل، في إعادة بلورة صياغة جديدة، وإعادة تنظيم هيكلية ومضمون خطابنا الإسلامي، بما يتماشى مع عمليات التجديد، وبالواقع المعاش، وأن يسير جنبًا إلى جنب مع أوجه التقدم المختلفة. S-HAlDER64@hotmail.com.
مشاركة :