رسائل بين غوركي وتشيخوف 2/2

  • 3/2/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

«أتوسل إليك أن لا تنساني، فلنتكلم دون مواربة: أود أن تدلني من حين لآخر على نقاط الضعف عندي بأن تسدي إلي النصح وأن تعاملني إجمالاً كرفيق يحتاج إلى أن ينشئ لنفسه كيانه» ( م - غوركي) *** كنت أشرت إلى أن الرسائل المتبادلة بين طرفين - تشيخوف / غوركي - متواشجين ومتفاهمين تحمل من الصراحة الكثير من المسكوت عنه في كتب السيرة الذاتية التي نُشرت لتستولي على مساحة كبيرة من الساحة الثقافية، وتصل إلى الكثير من المتلقين؛ لكون الرسائل بين طرفين ستحمل مصارحات حول مواقف من قضايا وأشخاص بطريقة سرية، مثلها مثل المكالمات الهاتفية أو رسائل الواتساب ووسائل التواصل الحديثة، فهي بوح بمكنون يفضي به طرف لطرف تحت مظلة الثقة المتبادلة، ومكسيم غوركي مع أستاذه أنطوان تشيخوف - الأديبان الروسيان - كانت ثقتهما ببعض متينة في قوتها حيث تبدت في أكثر من رسالة سواء من قبل تشيخوف أو غوركي التي تضمنها كتاب «مراسلات غوركي وتشيخوف» بترجمة جلال فاروق الشريف الصادر عن دار الرافدين. اللافت الذي يتبدى من خلال قراءة الكتاب أن الرسائل الموقعة باسم غوركي أطول من إجابات تشيخوف في رسائله التي تكون مقتضبة مكثفة، وهذا الفارق يتجلى في عطاءات الكاتبين العملاقين في كتبهما المنشورة، حيث إسهاب غوركي في الروايات والقصص، واقتضاب قصص تشيخوف الذي جعله رائداً للقصة القصيرة في العالم، وفي هذا ما يعني أن مكسم يسعى للاستزادة والمعرفة ممن يرى أنه يسبقه تجربة في مجال الإبداع وفي الحياة بالرغم من تقارب العمرين الزمنين بالنسبة لهما، وقد تكون أسبقية النشر والشهرة التي صاحبت تشيخوف من الأسباب إضافة إلى الإعجاب الذي يكنه غوركي لتشيخوف باعتباره كاتبه المفضل، وهذا يشير إليه غوركي في إحدى الرسائل: «لقد أسلمت نفسي منذ العاشرة، ولم تتح لي الوسيلة كي أتعلم ولم أفعل شيئاً سوى أن ألتهم الحياة وأعمل، إن ضربات الحياة بعثت فيّ الدفء، إنها غذتني بالصالح والطالح «ويضيف في رسالة أخرى إبداء إعجابه بمسرحية الطائر البحري التي لقيت صدى واسعاً عند كتابتها وعرضها، ويبدي ملاحظة مؤداها العتب على أستاذه في طلبه أن يبتعد عن بعض الكلمات غير الروسية في كتابته هو - غوركي -، فيجيب تشيخوف: «يبدو جلياً أنك لم تفهمني كل الفهم، فأنا لم أتحدث عن الفظاظة وإنما تحدثت عن محذور الكلمات الأجنبية ليست الروسية الأصل أو التي لا تستعمل إلا فيما ندر، أما عن أسلوبك الموسيقي المنسجم فإن الحوشي يزمجر ويكشف عن نفسه إنها دون ريب قضية ذوق.. أوصافك للطبيعة رائعة.. غير أنك أحياناً تبدو رتيباً» ويشير إلى أن البساطة في التعبير ومحاولة النزول إلى مستوى العامة بالنسبة للكاتب غير مستحب، فالكاتب يرقى بمتلقيه ويرفعه لكي يسود الذوق الرفيع في المنتج الفني. وفي هذا يكون المعلم المحب لتلميذه موجهاً، ولم يحبطه، فحبه لمن استشاره يبدو، وهذا بشكل عام بين المبدعين المتلاصقين عامة لأن البوح والمصارحة تصدق المكاشفة نحو العمل للرقي به إلى المستويات المنشودة، وفي الكتاب الكثير المفيد في الراهن لمن أراد المزيد.

مشاركة :