التداوي بالأعشاب في حقيقته طب شعبي أو طب تقليدي يعتمد على استخدام النباتات والأعشاب المتعلقة بالمستخلصات النباتية أو كما عرف باسم الطب النباتي أو طب الأعشاب أو علم الأعشاب إلى جانب ما يشمل هنا الطب من منتجات النحل والفطريات والمعادن والأصداف وأجزاء من بدن الحيوانات وشحومها. ويعتقد الباحثون أن التداوي بالأعشاب طريقة قديمة لعلاج الأمراض التي تصيب الإنسان في المجتمع ومعالجة الأمراض بالأعشاب التي تعود إلى أزمنة موغلة في القدم حيث صاحبت تاريخ الإنسان من بداية وجوده على هذه الأرض واعتاد الناس من جميع القارات على الأدوية العشبية فقد وجدت الأعشاب على سبيل المثال في أمتعة رجل مات قبل 5300 عام قبل الميلاد، وبقيت جثته مجمدة في جبال الألب شمال أوروبا اعتقادًا أن الناس استخدموا التوابل في الطعام للحد من التهديدات التي تشكلها البكتيريا في الطعام. وعلاوة على ذلك هناك نظريات تقول إن الحيوانات طوروا نزعة البحث عن أجزاء النباتات لعلاج مختلف الأمراض التي أصابت الأفراد. ولقد توغلت مختلف الأعشاب في الطب اليوم وبحث علماء الأحياء المجهرية وعلماء النبات من الباحثين الكيميائيين في النباتات الطبية تطوير الأدوية وفقًا لمنظمة الصحة العالمية حوالي 25 في المائة من الأدوية الحديثة المستخدمة في الولايات المتحدة الأمريكية. واعتبرت الأدوية «أشناسيا» أحد أكثر النباتات الطبيعية مبيعًا ويرجع أصلها إلى ثقافة الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين لمنع النزلات وعلاج الجروح والتهابات الجهاز التنفسي والسرطان حتى قيل كما درج على المثل القائل « ليكن غذاؤكم دواءكم، وعالجوا كل مريض من نباتات أرضه فهي أجلب لشفائه». * اعتقاد يواكب العقل والإيمان: ولا ننسى قول الله تعالى: «.. الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)» [سورة الشعراء الآيات 80-83] كما وردت أحاديث كثيرة لنبينا الكريم في هديه الشريف حيث قال: «عليكم بأربع فإن فيهن شفاء من كل داء إلا السام (أي الموت): السنا والسنوت والثفاء والحبة السوداء» والثفاء هي (الرشاد) والحبة السوداء (سويدة) والسنوت هو الكمون. وقال عليه الصلاة والسلام: «الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي» [رواه ابن مسعود رضي الله عنه]. ويقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالي «إنما العلم علمان علم الدين وعلم الدنيا فالعلم الذي للدين هو الفقه والعلم الذي للدنيا هو الطب» وفي رواية أخرى: قال «لا أعلم بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه» * المسلمون ومذاخر الأدوية: ويعتبر العرب المسلمون هم أول من قاموا بتأسيس مذاخر الأدوية والصيدليات في مدينة بغداد في عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، حتى إنهم استخدموا الكحول لإذابة الحبوب وهي المواد غير قابلة للذوبان بدلاً من الماء، وهم أول من استخدموا أعشاب السناحكي (العشرق) محليا، والكافور وجوز القبيئ والقرنفل والزنجبيل وحبة البركة في علاج أمراضهم، ولا يزال العمل بتجارة العطارة ولا يزال تجار العطارة يستخدمون موسوعة العالم الحسين ابن سينا، وتذكرة داود الأنطاكي، ومؤلفات أبو بكر الرازي وأدوية ابن البيطار والزهراوي. وتحتوي أسواق العطارة من الأعشاب والثمار والبذور على ما تستخدم لعلاج الأمراض والأوبئة. * الأعشاب والنباتات للتداوي: وقد اعتمد الإنسان في الحضارة القديمة خاصة في حضارة بلاد ما بين النهرين في سومر وبابل وآشور وحضارة مصر الفرعونية يتخذون من الأعشاب والنباتات لمعالجة الأمراض إلى جانب طرق أخرى للعلاج منها الرقى والتعاويذ والسحر والتقاليد الكهنوتية والتبرك بالآلهة وتعاويذ الشنتو والبوذية ويذكر الأستاذ الدكتور راغب السرجاني في بحثه عن كتاب (قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية) «إن العلاج والتداوي بالأعشاب لمزاولة الطب ارتبط عند الانسان بوجود الألم فإذا ما عرف الإنسان الألم بدأ يبحث عن إزالة الداء عن طريق معالجته وتطبيبه. وقد يكون التطبيب في مستواه يتفق مع مستواه العقلي وتطويره الإنساني. وكان يعرف بالطب البدائي انسجامًا مع المستوى الحضاري للإنسان ولذلك نجد أن العالم القدير عبدالرحمن ابن خلدون (ت 808 هـ) «يذكر أن أهل العمران يبنون طبًا في أغلب الأمر على تجربة قاصرة ويتداولونه متوارثًا عن مشايخ الحي، وربما منه شيء، ولكنه ليس على قانون طبيعي». * معوقات الطب الشعبي أو البلدي: وبالرجوع إلى علم الصيدلة نجد أن العديد من الأدوية مستخلصة من مختلف الأعشاب والنباتات مع إضافة كيميائية وللأسف نجد بعض الأدوية قد تم سحبها من الأسواق بعد أن ثبت ضررها وعدم صلاحيتها! وأحد معوقات استخدام الأعشاب في زماننا الحاضر عدم معرفة بعض أسماء الأعشاب التي تم وضعها في المؤلفات القديمة، واختلاف أسمائها من منطقة إلى أخرى وافتقار العديد من المتعاطين للطب الشعبي للعلم والخبرة وبالرغم من أن المتخصصين في علم شتى الأعشاب يتوارثون التطبيب من الآباء والأجداد ما جعل منهم مكانة كبيرة في الطب. * تجميع المعلومات للطب الشعبي: والواقع أن تجميع المعلومات من الطب الشعبي من الكتب القديمة كما أن معلوماتهم من كتب قديمة قد كتبت بأيدي قدامى العلماء.. ويعتبر التداوي بالأعشاب من الظواهر العريقة في شبه الجزيرة العربية منذ قديم الزمان، وكذلك الأطباء العرب القدامى يؤمنون بأنه لا يوجد مرض لا يمكن علاجه إلا بالنبات.. وقد تدرجت معرفة هذا النوع من التداوي حتى ما يسمى بالطب الشعبي في العالم العربي. * استشهاد العرب في تطوير التداوي: لقد زاد استشهاد العرب بالتداوي بالأعشاب خلال العصور الوسطى وانتشرت الأبحاث في شتى المخطوطات المبنية على قواعد قديمة إبان العصر الذهبي للطب الإسلامي وانتشرت معها شهرة الأطباء عبر العالم ومع انتشار الإسلام عن طريق الحجاج الذين يقدمون إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتمتاز الأقطار العربية باتساع رقعة الأعشاب والنباتات واعتدال الجو، فهم يملكون ثروة نباتية هائلة صالحة للتطبيب، وهذا بلا شك يساعد على تنوع العلاج ووسائل التطبيب. [الهوامش: قصة العلوم في الحضارة الإسلامية: الأستاذ الدكتور راغب السرجاني، كيفية التداوي بالأعشاب: الأستاذ محمد السيد مارس 2018م، التداوي بالأعشاب قديمًا وحديثًا: موقع المنتدى النبوي أغسطس 2012 م، كل شيء عن طب الأعشاب: الأستاذ شاركغرد موقع طب ويب، التداوي بالأعشاب: كل يوم معلومة طبية]
مشاركة :