من وحي الإسلام النباتات الطبية والأعشاب الواقية: خيوط الزعفران (1)

  • 4/20/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يعتبر الزعفران من النباتات الرقيقة الجميلة التي تدخر لها الشعوب المختلفة مكانة خاصة في قاموسها المطبخي والطبي والجمالي والردائي منذ قديم الزمان. فالنبتة هي من النباتات الطبية البصيلية التي لا تنمو بأطول من أربعين سنتيمترا علوًا بعد زراعتها ونموها. وعادة ما تكون وريقات النبتة دقيقة ونحيفة ومطرزة باللون الأبيض وتعود أزهارها إلى اللون البنفسجي (الليلكية) أو الزهرية أحيانًا ذات المياسم الخمرية البنية المائلة إلى الحمرة الداكنة، والمتميزة مع بعض الاصفرار أحيانًا، ونجد من الزعفران أنواعًا كثيرة لا تستغل لغايات الأكل بل تستخدم لصناعة باقات الزهور التي يتبادلها العشاق والمحبون في فصل الربيع من كل عام. وعلى صغر النبتة وروعتها الجمالية، ورائحتها الزكية النفاذة المنعشة أصبحت مع الأيام من أغلى النباتات في العالم وأثمنها. وهي من النباتات البصيلية والفصيلة السوسنية، ويطلق عليها علميًا مسمى (CROCUS-SATIVUS) ويعود أصل الاسم الإنجليزي إلى اللغة اللاتينية القديمة (سفرانوم) (SAFRANUM) التي أخذت عن الفرنسية القديمة في القرن الثاني عشر الميلادي وخصوصًا لفظ سفران (SAFRAN) والاسم الايطالي زفارانو (ZAFFERANO) كما الحال الاسم الإسباني (AZAFERAN) ويعود بالطبع إلى اللغة الفارسية زفاران (ZAFERAN) الذي أصله عربيا الزعفران. * تاريخ الزعفران وأماكن وجوده: تشير الدلائل والمعلومات المتوافرة تاريخيًا إلى أن زراعة الزعفران تعود بالطبع إلى ثلاثة آلاف عام حول العالم وكان استخدام النوع المعروف (بكروتوس كارتراينياس - (CARWRIGHTIANUS خصوصًا منذ العصر البرونزي حيث عمل الفلاحون على تأصيل أنواعه ذات المياسم الطويلة. وتدل أولى المدونات المكتوبة الآشورية التي تذكر أن الزعفران قد زرع منذ القدم بالقرن السابع قبل الميلاد كما تؤكد الموسوعة الحرة، وهذه المدونات تشير إلى العراق القديم في عهد الآشوريين وبالتحديد عهد (الملك آشور بانيبال) الملك الملقب بملك العلوم مشيد مدينة (نينوى) الذي عاش بين عام 669 ق.م - 627 ق.م. وكان آخر ملوكهم في الإمبراطورية الآشورية الحديثة على أرض الرافدين. وكان اهتمامه مركزًا على إصلاح الطرق والإنجازات العمرانية وأنشأ مكتبة ضخمة جمع فيها ألواح الطين المكتوبة بالخط المسماري وسجل إنجازاته المهمة. وتدل الحفريات على استخدام الزعفران في عهد أكثر من أربعة آلاف عام، حيث عثر علماء الآثار على صبغيات تعود إلى خمسين ألف عام وعملت الاتجار بهذا النبات العجيب قبل الحضارة المانوية إلى جانب أن الفرس وأهل إيران اعتادوا وضع الزعفران في أطعمتهم وأشربتهم، وصبغوا كسوة ملوكهم قبل القرن العاشر قبل الميلاد إلى جانب استخدام هذا النبات النادر في التطبيب والتلوين والتعطير والتطهير وغلي الشاي عندهم للشرب لإبعاد الاكتئاب وإشاعة التفاؤل. * المؤرخون وانتشار الزعفران: يذكر المؤرخون أن اليونان ورثت نبتة الزعفران من إيران وكان يطلق عليه الزعفران الكشميري الشهير كما تدل الوثائق قبل ألفين وخمسمائة عام وخلال الوجود الفارسي في كشمير وبعد ذلك روج الفينيقيون العرب الزعفران الكشميري كمادة للتلوين وطرد الاكتئاب ونجد وجود الزعفران في معظم مناطق الهند والصين وبورما وقد أحب الرهبان البوذيون الزعفران وأصبح جزءًا من تقاليدهم. ويقال إن الزعفران جاء إلى الصين عن طريق المغول الذين جلبوه معهم إثر غزوهم لإيران. ويقال إن الإغريق أيام الحضارة المانوية كانوا يبحرون إلى جزيرة صقلية بالبحر الأبيض المتوسط لجلب الزعفران، وقد استخدم آنذاك في غزة ومصر وجزيرة رودس قديمًا لغايات التعطير والتجميل والتطبيب، ومقابل الاستخدام الفرعوني له المكثف حتى أن الملكة كليوباترا استعملته في حمامها ولمعالجة بعض الأمراض عند الرومان. واستخدمه الفينيقيون العرب في لبنان وفلسطين والمناطق المجاورة بغرض الصباغة واستخدمه الرومان لتضميد الجراح وعلاج السعال حتى أنهم نقلوه معهم إلى بلدان الغول كفرنسا وألمانيا وبلجيكا وسويسرا «ويقال إن الفرنسيين أخذوا الزعفران عن طريق الأندلس فالمسلمون أسهموا في نشر الزعفران في ايطاليا وإسبانيا وفرنسا» * الزعفران يسبب حربًا بين المدن: ويقال إن هذا العشب الطيب سبَّب حربًا بين المدن الايطالية لجنوى وبيزا والبندقية استغرقت أكثر من ثلاثة شهور بعد تعذر الحصول عليه عبر اليونان وايطاليا، وانتشرت زراعته في سويسرا وألمانيا وكانت عقوبة الغش فيه «السجن والإعدام». واختصت البلدان الانجليزية بالزعفران في القرنين السادس والسابع عشر الميلادي لإنتاج الأدوية والأصباغ والمشروبات واهتمت به منطقتا سوفيك ونوفيك الشرقيتان وكان يطلق عليه سفرون وولدن (SAFFRON WALDEN). * الكنيسة الأوروبية والزعفران: وقد نقلت الكنيسة الأوروبية الزعفران من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث انتشرت في فيلادلفيا وفي بنسلفانيا ومن ثم إلى مدن الكاريبي والمستعمرات الإسبانية بدول أمريكا اللاتينية وازدادت قيمته المادية والمعنوية وشملت استخداماته في الأطعمة والأشربة وحتى المسكرات والتطبيب والتجميل والصباغة! * رأى العلماء: ويروى أن العالم الطبيب المسلم الحسين بن عبدالله بن سينا (980 م - 1037م) ذكر في كتابه القانون في الطب قائلاً عن الزعفران: «إن زهره يشبه زهرة الياسمين منه الأصفر ومنه ما يميل إلى البياض جيده الطري الحسن اللون الزكي الرائحة، على شعره قليل البياض ممتلئ غير صحيح غير سريع الصبغ، غير ملزج ولا مفتت، قابض محلل مزيل للاكتئاب مفرح يجلو البصر ويزيل الغشاوة من العين ويكتحل به للزرقة المكتسبة ومقو للقلب مدر للبول» أما الطبيب اليوناني الكبير «جالينوس» يذكر الزعفران بأن حرارته أقوى من قبضته، ودهنه مسخن يحسن اللون وينير البشرة، وشربه محلل للأورام ويطلى به الحمرة ومصدع الرأس، ومنوم للحواس، وإذا سقى في الشراب ينفع في الورم الحار في الأذان، يجلو البصر وينفع الغشاوة، يكتحل به للزرقة المكتسبة مقو للقلب ومدر للبول. أما الطبيب العربي المسلم ضياء الدين عبدالله بن البيطار (1197م - 1248م) فقد نصح باستخدام الزعفران مع البيض لعلاج البواسير ورطوبات العيون وتقوية وتحسين لون البشرة، وكذلك مفيد للقلب ولمحاربة الأورام السرطانية بل مجل لبؤبؤ العين ونمو أغشيتها، ومنشط للأعصاب إلى جانب أنه يساعد على إدرار الطمث عند المرأة وتخفيض ضغط الدم وعسر الهضم مزيل للاكتئاب والقلق والتوتر. قال تعالى: (إن المتقين في ظلال وعيون. وفواكه مما يشتهون. كلوا واشربوا هنيئًا بما كنتم تعملون. إنا كذلك نجزى المحسنين) (سورة المرسلات الآية 41 - 44 ) ويقول الشاعر عن الجنة: قصورها ذهب والمسك طينتها وزعفران حشيش نابت فيها الهوامش: الزعفران أصله وفصله: الأستاذ كمال قدورة - موقع الشرق الأوسط عام 2010 م، رواد الحضارة والعمران: الأستاذ يوسف الملا، النباتات الطبية واستعمالاتها، أين يزرع الزعفران: الأستاذة عائكة البوريني، أنواع الزعفران: الأستاذة آلاء جابر، فوائد الزعفران: الأستاذة إيناس ملكاوي، استخدامات الزعفران: الأستاذة نورا الشيشاني - القاهرة.

مشاركة :