فتح الغزو الأميركي للعراق عام 2003 الباب أمام إيران للتغلغل في أحد أهم بلدان المشرق العربي، إذ استطاعت طهران أن تتمدد في العراق من خلال حلفائها وعملائها ممن احتضنتهم سنوات طويلة في السابق كمعارضين للنظام آنذاك. ومنذ ذلك الحين، يسعى النظام الإيراني إلى تعزيز نفوذه السياسي والاقتصادي والعسكري أيضاً في العراق. لكن زيادة النفوذ الإيراني أثار ردود فعل غاضبة ورافضة من قبل أطراف المعارضة العراقية، وبين أوساط أهل السنة والشيعة في جنوب العراق. واندلعت العام الماضي احتجاجات في البصرة ضد التدخلات الإيرانية، هاجم خلالها المحتجون القنصلية الإيرانية. تأتي الزيارة التي يقوم بها الرئيس الإيراني حسن روحاني للعراق حالياً في أصعب ظروف اقتصادية وسياسية تمر بها طهران في السنوات الأخيرة. ففي ظل العقوبات الأميركية، يشهد الاقتصاد الإيراني تراجعاً حاداً، وتعاني الأسواق من شح السلع الأساسية، بينما تهبط قيمة عملتها الوطنية (الريال) إلى أرقام قياسية. هذا ما يعطي الزيارة "أهمية خاصة"، من وجهة النظر الإيرانية. فإيران تأمل في إقناع الحكومة العراقية بعدم تطبيق العقوبات الأميركية، أو على الأقل معظمها، وأن تدخل في شراكة اقتصادية وتجارية معها، تسمح لها بالالتفاف على العقوبات وضمان الاستمرار في تسويق بضائعها وبيع منتجاتها. نجحت إيران، حتى الآن، في الانفتاح على السوق العراقية بقوة والهيمنة على قطاعات منه، خاصةً في سوق السلع الاستهلاكية، التي تعرف برخصها، مع أنها تواجه منافسة قوية من دول مجاورة كتركيا، التي أخذت منتوجاتها، خاصة في الجنوب، تلاقي إقبالا أكبر من قبل المستهلك العراقي، حسب التقارير. ويُعد العراق أحد أكبر أسواق التصدير غير النفطي لإيران، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين قرابة 9 مليارات دولار، معظمها منتجات زراعية ومواد غذائية وفاكهة ودواجن ومواد بناء. ويواجه العراق ضغوطا من الجانب الأميركي في ما يخص سعي واشنطن لتحييد دور إيران في المنطقة وتطبيق العقوبات المفروضة على طهران.وقام وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بزيارة مفاجئة إلى العراق، في يناير/كانون الثاني، كانت جزءاً من جولة إقليمية تهدف لتشكيل جبهة عربية لمواجهة التغلغل الإيراني، بحسب ما جاء في تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في يناير/كانون الثاني من هذا العام. وجاء ذلك بعد زيارة قام بها وزير الطاقة الأميركي، ريك بيري، لبغداد بهدف إقناع المسؤولين العراقيين بالتوقف عن شراء الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء، وفقاً للصحيفة نفسها. وكانت الولايات المتحدة أعفت العراق من تطبيق بعض العقوبات ضد إيران، وسمحت له في ديسمبر/كانون الأول 2018 بشراء الغاز الإيراني لمدة 90 يوما. ويرى مراقبون أن هناك ملفات كثيرة ومشاكل عالقة بين البلدين يجب حسمها، يأتي في مقدمتها ملف ترسيم الحدود، ومصادر المياه والملاحة ومنها "شط العرب"، المجرى المائي الحيوي للعراق، وضبط الحدود البرية التي يجري عبرها تهريب المخدرات من إيران إلى العراق. نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن رجل أعمال عراقي قوله إن "الإيرانيين يسعون جادين للسيطرة على السوق العراقية، لأن ليس لديهم خيار آخر، فهم يعانون من العقوبات الأميركية، وهم بحاجة ماسة للعراق، حتى إنهم أصبحوا أكثر مرونة في التعامل معنا". يعتقد مراقبون أنه بالرغم مما يطفو على السطح من شكل العلاقة بين إيران والعراق، لكن بغداد في موقف أقوى قد يمكّنها من كسب امتيازات مهمة من طهران، لو كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لدى الجانب العراقي لتغليب المصلحة الوطنية على كل الاعتبارات السياسية والاصطفافات الطائفية.
مشاركة :