كانت جلسة مجلس النواب أمس برئاسة الأستاذة فوزية زينل رئيسة المجلس من الجلسات التي تميل إلى السخونة في معظمها.. وكيف لا تكون ساخنة والمطروح عليها منذ البداية تقريبا مشروع قانون مُحال من الحكومة بصفة الاستعجال يقضي بإدخال تعديلات جديدة على قانون التأمين ضد التعطل تسمح بحصول الحكومة على (230) مليون دينار لتمويل مشروع التقاعد الاختياري.. بحيث يتم الحصول على هذا المبلغ من فائض صندوق التأمين ضد التعطل الذي يبلغ 800 مليون دينار بحريني. المعروف أن هذا الصندوق تموِّله الحكومة بنسبة الثلثين، ويمول العاملون بالحكومة والقطاع الخاص بمقدار الثلث من خلال خصم 1% من رواتب جميع العاملين بالحكومة والقطاع الخاص. انقسم المجلس على نفسه إزاء هذا المشروع.. فهناك فريق يؤيد (ولديه الأسباب).. وفريق آخر يعترض بشدة «ولديه الأسباب» أيضا. بدأ الطرحُ هادئا.. وذلك لأنه بدأ - لست أعرف ما إذا كان هذا بالصدفة أم أنه كان معدا له- بدأ بطرح عدد من السادة النواب المؤيدين.. ثم اشتعلت الجلسة بطرح المعارضين.. وبشراسة ظاهرة!! حضر الجلسة أمس وزيران: وزيرة الصحة السيدة فائقة الصالح وهي التي أنهت مهمتها بسرعة حيث كان موجها إليها ثلاثة أسئلة من السادة النواب: الأول لم يطرح لغياب النائب صاحب السؤال «حمد الكوهجي».. والثاني من رئيسة مجلس النواب ذاتها وقد اكتفت بالإجابة المكتوبة التي أرسلت إليها حول خطط الوزارة الخاصة بإنشاء مستشفى عام في المحافظة الجنوبية، وأجابت الوزيرة بسرعة عن السؤال الثالث الموجه من النائب أحمد الدمستاني حول رؤية الوزارة لإنشاء مراكز صحية إضافية في الدائرة السابعة من المحافظة الشمالية لتستوعب الزيادة السكانية بها.. وقد وعدت الوزيرة خيرا ببناء أكثر من مركز صحي في المنظور القريب بإذن الله. ثم جاءت «المعمعة» مع طرح مشروع القانون الخاص بتعديل قانون التأمين ضد التعطل الذي استغرقت المناقشات الساخنة من حوله ما يقرب من ثلاث ساعات متواصلة بحضور الوزيرين غانم البوعينين وزير شؤون المجلسين.. ووزير المالية الشيخ سلمان بن خليفة بن سلمان آل خليفة الذي تواصل مع الجلسة طوال المناقشات حول هذا الموضوع منذ بدايتها حتى نهايتها. وكما قلت كان الطرح هادئا ومريحا من قبل عدد من السادة النواب المؤيدين، بينهم السادة النواب: فاضل السواد – علي الزايد – أحمد الأنصاري – أحمد العامر – ومعصومة عبدالرحيم وغيرهم.. حيث كان طرحهم يدور حول أنه يجب ألا ننسى أن الحكومة هي التي تمول الصندوق بنسبة الثلثين وأن أموال هذا الصندوق هي ملك الشعب.. وأن المبلغ المطلوب هو من الشعب وإلى الشعب.. فالمحالون إلى التقاعد هم من أبناء الشعب الذين طلبوا التقاعد باختيارهم وبرغبتهم.. أي أن هذا المبلغ ليس للحكومة.. ولن تستفيد منه الحكومة.. وإن كان برنامج التقاعد الاختياري يجيء في إطار تحقيق «التوازن المالي».. وهو من أجل الشعب أيضا.. ثم إن هذا المبلغ سيتم الحصول عليه مرة واحدة لا تتكرر وبنص القانون نفسه.. وهذا مع التزام الحكومة قانونا أيضا برد هذا المبلغ إلى الصندوق.. وإلزامها أيضا -طواعية- بدعم صندوق التأمين ضد التعطل إذا حدث لا قدر الله أي عجز فيه في أي لحظة من اللحظات.. وبنص مشروع القانون أيضا. ثم لا ننسى أن هذا المشروع قد جاء ناصا منذ بدايته على زيادة إعانة التعطل لأبناء البحرين من 150 دينارا إلى 200 دينار للجامعيين ومن 120 دينارا إلى 150 دينارا شهريا لغيرهم في حالة التعطل.. إضافة إلى جعل مدة الاستحقاق 9 أشهر متواصلة بدلا من 6 أشهر حتى يتم توفير الوظيفة للبحريني العاطل.. إلخ. وطبعا هناك أسباب أخرى طرحها المؤيدون، منها: أن هذا المشروع يقي الحكومة من شر الاقتراض وزيادة الدين العام والعجز في الميزانية العامة.. إلخ. بدايةُ الاشتعال وكانت بداية اشتعال المناقشات والأطروحات الرافضة مع بداية طرح النائب باسم المالكي الذي جاء في مقدمة كوكبة من الرافضين.. حيث ردد كل نائب رافض منذ البداية مطالبة الحكومة بأن تتصرف.. بعيدا عن الصناديق التي تحتوي أموال المواطنين، أليست هي التي فكرت ونفذت مشروع التقاعد الاختياري بعيدا عن مجلس النواب ومن دون مشورته.. ثم لماذا تطرح الحكومة هذا المشروع على المجلس بصفة الاستعجال وتحرم المجلس التشريعي من حقه من الدراسة والتأني من أجل الوصول إلى القرار الصحيح الذي يخدم المصلحة العامة (على حد قولهم). قال الرافضون أيضا: لماذا تأخذ الحكومة من أموال صندوق التعطل من أجل مجموعة من الموظفين الحكوميين الراغبين في التقاعد المجزي بعيدا عن موظفي وعمال القطاع الخاص.. والكل -حكومة وخاص- يدفعون للصندوق 1% من رواتبهم.. فهل هذا يجوز؟ أليس لموظفي القطاع الخاص حقٌّ أيضا.. ولماذا لا يمتد برنامج التقاعد الاختياري ليشمل موظفي القطاع الخاص أيضا.. ويقول النائب خالد بوعنق في هذا الخصوص: كيف نأخذ أموال المُؤَمن عليهم من القطاع الخاص وهي التي دفعوها من رواتبهم لنكافئ بها مجموعة من موظفي الحكومة وحدهم؟ وتساءل النائب الذوادي: كيف نُحمِّل المواطن تبعة حقوق الراغبين في التقاعد الاختياري، ومن دون إرادته، ولقد وصل به الأمر إلى المطالبة بسحب هذا المشروع حتى يخضع لدراسات متأنية.. وأقر المنطق نفسه تقريبا النائب سيد فلاح هاشم الذي قال: أليس الأفضل أن يستخدم هذا المبلغ في تنفيذ مشاريع يتم من خلالها توظيف العاطلين! ثم شدد النائب عبدالنبي سلمان على نقطة مشاركة القطاع الخاص في أموال صندوق التأمين ضد التعطل.. متسائلا: كيف تكون الاستفادة لموظفي الحكومة وحدهم.. ثم أثار نقطة أن هذا المشروع تشوبه شبهة مخالفة دستورية.. وإن كان قد جاءه الرد في الحال من الوزير البوعينين ومن رئيس هيئة المستشارين بمجلس النواب الحاضرين بالجلسة بأن هذا المشروع لا تشوبه أي مخالفة أو شبهة مخالفة دستورية لا من قريب ولا من بعيد. وقد أجمع عدد كبير من المعارضين للمشروع على ضرورة تنفيذ مشاريع يمولها صندوق التأمين ضد التعطل بهدف توظيف العاطلين جميعا سواء من الحكومة أو القطاع الخاص.. مرددين: لا تنسوا موظفي القطاع الخاص! الحقيقةُ أن جميع السادة النواب كان الميل كامنا في نفوسهم في البحث عن أي طريق يبعد الدولة عن الاقتراض أو زيادة العجز في الميزانية، وقد أكد ذلك معظم السادة النواب الذين صوَّتوا بالرفض على اقتراح طرحه النائب إبراهيم النفيعي بإلغاء مادة من المشروع بقانون هي التي تنص على حصول الحكومة على (230) مليون دينار من صندوق التأمين ضد التعطل.. ووافقوا على اقتراح بالتعديل للنائب يوسف زينل ينص على اعتماد هذا المبلغ كقرض تعيده الحكومة إلى الصندوق عندما تتحسن الأوضاع.. ويلزمها أيضا بدعم ميزانية الصندوق إذا تعرضت لأي عجز في أي وقت من الأوقات. ثم كانت المفاجأة عند التصويت؛ حيث صوَّت أغلبية النواب بالموافقة على المشروع بينما كان بين المصوتين بالموافقة عدد كبير من السادة النواب الذين كانت لهم مداخلات ساخنة ورافضة خلال الجلسة!! والقضية لم تقف عند هذا الحد.. فلها بقية.
مشاركة :