د.جوزيف رامز يكتب: العلاقات القبطية - الإثيوبية 3

  • 3/29/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يستأنف أ.د.أنطون يعقوب حديثه فى ندوة "نحن واثيوبيا" قائلا:عزت على قطيعة الكنيستين طوال سبعة عشر عاما هى مدة حكم منجستو .وشجعنى تبدل الأوضاع بعد سقوط الحكم الماركسي،وانتخاب بطريرك جديد باسم"أبونا باولس".فقررت الذهاب الى أديس أبابا فى يناير ١٩٩٣ سعيا لعودة العلاقات.وهناك فوجئت أن قداسة البطريرك كان تلميذى بمدرسة "سلاسي اللاهوتية" فى الخمسينيات باسم الأنبا/جبرا مدهن ألم.ورحب الرجل بى بحرارة وأخجل تواضعى حين احتضننى قائلا"أستاذى".ولما فاتحته فى أمر علاقة الكنيستين دعانى لحضور المجمع المقدس فى ٢٧ يناير لأستمع لآراء المطارنة حول الموضوع.وفى المجلس ,غلبت على لغة الحوار العتاب والنقد للكنيسة القبطية لاهتمامها أثناء الازمة بما حدث للبطريرك/ثاوفيلس تمسكا منها بقوانين الكنيسة وطقوسها ،ولكنها لم تهتم بالكنيسة نفسها وبشعبها الاثيوبى وما حل بالجميع على أيدى زبانية الماركسيين،ولا بالعمل على تقديم المساعدة والدعم بكل القوة والقوى المتيسرة لديها .وفى الختام ،طالبوا بفتح صفحة جديدة تتسم بروح التعاون والانفتاح،مع علاج ما ترسب من مشاكل وسوء فهم.وأعددت تقريرا مكتوبا بكل هذا وسلمته لسكرتارية قداسة/البابا لدى عودتى للقاهرة."وأسجل فى هذا الصدد اهتمام سفيرنا/د.مجدى حفنى باتصالاتى خلال تلك الفترة. وفعلا وصل وفد اثيوبى الى القاهرة فى ٤/٣/١٩٩٣ وكنت فى استقباله،وحل بفندق الحرية "بمصر الجديدة".وجرت المفاوضات بدير أنبا/بيشوى العامر بينه وبين الوفد القبطى برئاسة قداسة البابا/شنودة الثالث الذى تجاوب بمحبته مع كل ما هو مشروع من رغبات الوفد الاثيوبى.وتوصل الطرفان الى بروتوكول جديد صادق عليه المجمع المقدس القبطى فى حينه،وصادق عليه المجمع المقدس الاثيوبى فى فبراير ١٩٩٤ بحضور وفد قبطى فى أديس أبابا. وبدت الامور وكأن صفحة جديدة من العلاقات الحميمة قد نشأت,الا أن الأمور تأزمت من جديد بعد شهور قليلة بسبب رسامة الكنيسة القبطية لخمسة أساقفة لكنيسة اريتريا فى ١٩/٦/١٩٩٦،من وراء ظهر الكنيسة الاثيوبية كما صوروه.وتعطل البروتوكول الجديد ولم ينفذ منه أى شيىء ..وتجمدت العلاقات طوال أربع سنوات.وفى أواخر عام ١٩٩٨،وكنت وقتها عميدا لكلية "سلاسي اللاهوتية" بأديس أبابا،انعقد مؤتمر الكنائس العالمى فى هرارى عاصمة زيمبابوى فى ديسمبر، ودعيت اليه كواحد من عشرات المستشارين،وانتهزت فرصة وجود الوفد القبطى برئاسة نيافة الأنبا/بيشوى والوفد الاثيوبى برئاسة قداسة البطريرك.والتمست منهما انتهاز فرصة وجودهما معا والالتقاء لتنقية الأجواء بين كنيستيهما..وبعد التغلب على تحفظاتهما وموافقة كل من البطريرك/ باولس والبابا/شنودة تليفونيا ،اجتمعا وتناقشا حوالى الساعتين ثبت خلالهما أن المسالة الاريترية هى العقبة الكأداء.واتفق الطرفان على تشكيل لجنة تمثل الكنيستين لبحث القضايا المعلقة وازالة أسباب سوء التفاهم توطئةلالتقاء القيادتين وهو مالم يحدث. وحدث أن اتصلت بى السفارة الاثيوبية فى ١٦/١٠/٢٠٠٠ تبلغنى بوجود أنبا/جبرائيل وأنبا/أرجاوى"مطرانى اثيوبيا"ورغبتهما فى لقائى.والتقينا وطلبا منى تدبير اجتماعهما بنيافة أنبا/بيشوى.وانتهى الأمر بلقائهما بقداسة البابا نفسه فى اجتماع بالمقر البطريركى :استمر ثلاث ساعات،درس خلاله ملف العلاقات بكل صراحة ودقة،خرج منه المطرانان مستبشرين خيرا ويلوحان بملف الاجتماع حول الموضوع ويهتفان:ياأنطون"ربنا يباركك:أنت نورنا:برهانى باللغة الأمهرية". وتشجعت بهذا الأمل الجديد وسافرت الى أديس أبابا فى ٩/١١/٢٠٠٠،وقضيت ستة أسابيع من اللقاءات مع كل الفعاليات الكنسيةوعلى رأسهم قداسة البطريرك الذى سلمنى رسالة مودة خطية لقداسة البابا وصلته عن طريق أنبا/بيشوى،لأن سكرتارية قداسته حالت دون تسليمها بنفسي لقداسته لأسباب غامضة. ومما يجدر ذكره:أولا،أن هذه الرسالة لم تكتب الا بعد اجتماع المجمع المقدس الاثيوبى ولجان اكليريكية أخرى أكثر من مرة،والتوسط المتواصل لكل من:أنبا /جبرائيل وأنبا/أرجاوى لدى البطريرك،وتدخل السفارة المصرية فى زيارة السفير/مروان بدر للبطريرك..وثانيا ،اتضح أن المشكلة كانت تدور حول أسقف اريترى رسمه البابا اعتبرته اثيوبيا غير جدير بهذه الرسامة،وتمسكت باسمه الرهبانى فقط فى مكاتباتها للقاهرة.وهو تصرف فسرته"البطانة القبطية"على أنه عدم اعتراف بوضع اليد البابوى وعدم احترام لقداسته .ولهذا كان المطلوب أن يكتب البطريرك اعتذارا صريحا عن هذا السلوك. وثالثا لم يتوافق بطريرك اثيوبيا مع هذا التفسير ولهذا لم تتضمن رسالته للبابا أى اعتذار.وظل يردد العبارة التى دأب على ترديدها على مسامعى منذ عام ١٩٩٩،وهى"وجهوا دعوة لى لزيارة القاهرة لألتقى بأبينا ومعلمنا البابا/شنودة خليفة/مارمرقس الرسول ،وسوف تنتهى مشاكلنا فى دقائق".فالمسألة عنده"خلاف أسرى"ولا تحتاج لأية وساطات خارجية. ورابعا:مع أنى أرسلت أكثر من فاكس لقداسة البابا بتطورات الموقف الاثيوبى،فاننى لم أتلقى أى رد.ولما عدت الى القاهرة لم أشعر بأى صدى لها فى المقر البابوى وكأنها لم تصل.علما بأن السفارة المصرية ،وعلى رأسها سيادة السفير/مروان بدر،أبدت كل اهتمام بخطواتى ومحاولاتى وتقديرها لى،وقدمتنى لقداسة البطريرك باعتبارى وسيطا يعول عليه.وخامسا ،لم ترحب البابوية بالرسالة لخلوها من اعتذار للبطريرك،وتجمدت العلاقات تماما حوالى سبع سنوات. وفجأة حدث مايمكن اعتباره محطة صغيرة أخيرة،ففى ٤/٧/٢٠٠٧ بشرنا دكتور/اسحاق ابراهيم "أمين المعهد "بحدوث تطورات مشجعة بين الكنيستين،وأن قداسة البطريرك الاثيوبى سيزور القاهرة فى ١٣/٧. وفى اتصال خاص أكد نيافة أنبا/بيشوى الأخبار لى ،وشدد على أن أكون فى استقباله بالمطار،كما طلب منى تقديم مقترحات مكتوبة يريدها قداسة البابا عن أنشطة وخدمات تحتاجها اثيوبيا ويمكننا تقديمها لها توطيدا للعلاقات ،مع ترشيح الشخصيات القبطية القادرة على تنفيذها. وجاء اليوم الموعود واستقبلت الوفد الاثيوبى بالمطار برفقة الوفد القبطى،ووصلنا جميعا المقر البابوى لنجد قداسة البابا شنودة الثالث بالانتظار للترحيب بضيفه .وبادرنى قداسته بالانجليزية Then you are a Copt Ethiopian فقلت "نعم ياسيدنا وأنا أعتز بذلك". "وفى اليوم التالى ,التأم اجتماع المصالحة بحضور الوفدين القبطى والاثيوبى ،وبحضور وفد ثالث هو الوفد الأرمنى برئاسة بطريركه باعتباره وسيط المصالحة.وأثناء خطاب البطريرك الارمنى لوح قداسته بحلقة بها مفتاح صغير قال أنه مفتاح الخورس اليمين بكاتدرائية" سلاسى بأديس أبابا" الذى خصصته الكنيسة الاثيوبية لتقيم فيه الجالية القبطية قداساتها،استجابة للطلب الملح لقداسة البابا/شنودة الثالث.ومن ثم وزعت الهدايا على مجموعة من المشاركين ،واختتم الحفل بالصلوات والبركات.وان لم يفت انتباه الاقباط الحاضرين حكاية عدم امتلاك كنيستهم كنيسة أو مكانا مناسبا لعبادة أبنائها واجتماعاتهم بأديس أبابا رغم ما كان لها من سيطرة كاملة على الكنيسة والشعب الاثيوبيين على مدى ستة عشر قرنا. ومن جانبه،جسد البطريرك أبونا/باولوس حفاوته بالمصالحة التى تحققت واعتزازه بها باعتبارها مناخا مواتيا لتنامى علاقة الكنيستين وتقاربهما ،بعدسنوات القطيعة والجفاء،وذلك بزيارتى محبة وتعاطف قام بهما للمقر البابوى:الأولى كانت فى ٩/٢/٢٠١٠وكنت حاضرا فيها ورحبت بقداسته بالأمهرية.واتسمت الحوارات التى دارت بالألفة والتباسط،ورحب خلالها البابا/شنودة باستقبال عشرة اثيوبيين للدراسة فى معهد الدراسات القبطية.والثانية فى ٢٠-٢٤ نوفمبر من نفس العام .وبعدها بأقل من سنتين تنيح قداسته فى سبتمبر ٢٠١٢ وقبله بشهور تنيح قداسة البابا/شنودة فى مارس من نفس العام،وكأنهما تواعدا على الالتقاء فى الفردوس ومواصلة الصلاة والتشفع لأجل شعبيهما. وفى ختام هذه الجولة التاريخية الطويلة،تعود بى الذاكرة الى بروتوكول ١٩٥٩ بمواده المهمة للغاية،الذى صدر فى عهد قداسة البابا/كيرلس السادس كثمرة لالهاماته المقدسة.وجرى الموافقة عليه بتوقيعات أعضاء الوفد الكبير، الذى دعا قداسته الى تشكيله بحكمة ربانية ،فتكون من قداسته رئيسا،وأنبا/لوكاس ممثلا لالكيروس مصر،وأنبا/يؤانس ممثلا لاكليروس السودان وأوغندا ،وأنبا/توفيلس ممثلا لاكليروس اثيوبيا،وأنبا/باسيليوس ممثلا لاكليروس أورشليم،ومن الراس/أسرات كاسا ممثلا للامبراطورية الاثيوبية،ويوسف سعد وكيل المجلس الملى ممثلا للشعب القبطى وموسي هزن ممثلا للشعب الاثيوبى .وانضم اليه المستشارين /د.مراد كامل وعدلى اندراوس وديمترى رزق والأب مكارى السريانى "المتنيح /أنبا صموئيل"أسقف الخدمات العامة لاحقا".والغاية الأساسية منه كما رسمها قداسته"تنظيم الكرازة المرقسية كأسرة واحدة كبيرة"لتكون كيانا متماسكا ملتحما قائما بذاته وبرسالته المقدسة ،وسط كيانات المذاهب الأخرى كالكيان الفاتيكانى والكيان اللوثرى والكيان المشيخى وغيرها.ولكن قداسته انتقل الى المجد قبل استكمال تنفيذه. ولا جدال أن هذا البروتوكول يستحق منا دراسته بكل تمعن وموضوعية فى اطار المستجدات الحالية .فقد استمرت فكرته فى ذهن قداسته أثناء سنوات تفرده فى خلوته ونسكه ويترامى الى سمعه ما كان يجرى على ساحة الكنيسة من مفاوضات ،وما يصاحبها من تشنجات وصخب،ومن اتهامات وتشهيرات وانقسامات،مما أدى الى اهتزاز صورة الكنيسة القبطية وخلف مرارات دون داعى .وغايته نبيلة وعظيمة تستحق منا السعى الى تحقيقها باصرار مغموس فى الايمان والرجاء ،مهتدين بالحكمة الكتابية "اثنان خير من واحد...والخيط المثلوث لا ينقطع سريعا"."جامعة:٤جا:-9-12".

مشاركة :