جرت العادة في الإنتاج الفكري والفلسفي العربي على مقارنة العقل العربي بالغربي، على اعتبار التقدم العلمي والاجتماعي هناك والذي أفضى إلى التقدمين السياسي والاقتصادي، والأدق هي مقارنة العقل العربي بالعقل غير العربي الذي يشمل الشرق وفيه من الدول المتقدمة الكثير. أذهب إلى أن الأكثر دقة هو مقارنة العقل في الدول المتخلفة أياً كان موقعها، مع نظيره في الدول المتقدمة – نظيره في الاسم وليس الفعل/ التفكير-، إذ إننا اليوم نستطيع القول إن العقل العربي لا يشمل كل الدول العربية، أو العرب بشكل عام، سواء أكان موضعهم جغرافياً في بلدانهم أم أخذتهم الغربة القسرية أو الاختيارية إلى أكثر من مكان. اليوم يمكن القول إن تعميم صفات معينة على العقل العربي وبنيته وطريقة تفكيره لا تصح على أرض الواقع، إلا ما يتعلق بصفات تجمع العقل البشري أجمع، ذلك أن نظرة نقدية محايدة ومنصفة لمنتجاته تؤكد أن هناك اليوم تمايزاً في العقل العربي والعقل العربي تبعاً لبعض الدول، أو الشعوب. قراءة الأحداث والتطورات السياسية والاقتصادية وإلى حد ما العلمية وتلك التي تمس العلوم الإنسانية، تعطي الدال والمدلول على أن هناك عقلاً عربياً يواصل النضج، ويواصل الاقتراب من العقل «المميز»، وأطلق عليه ذلك لأبتعد عن «فخ» الجغرافيا، والعرق، وعقد النقص المتراكمة عبر الزمن. وفي المقابل هناك عقل عربي يصرّ على الاستمرار في المنطقة البدائية، تلك التي تجتر الماضي، وتعيش جلد الذات، وتتنفس الصعداء أن كل ما حولها هو مؤامرة الاستعمار أو الصهيونية أو غيرهما من شماعات العجز العربي المزمن، ويجب القول اليوم العجز العربي الجزئي نسبة إلى وجوده في أجزاء منه وليس في كل هذا العالم. يمكن لأي قارئ اليوم أو متابع دقيق للأحداث أن يكتشف ملامح المؤامرات التي يحيكها ويمولها النظام القطري بالتعاون مع أنظمة إقليمية غير عربية لها دوافع معلنة ومستترة كثيرة، فهل يمكن اعتبار «العقل» الذي يدير هذا الخراب ويستعمل المال بسفاهة مثل عقل ينشد السلم للبشر، ويعمل على رفعة نفسه وأمته؟ بالطبع لا. ومن مستوى السلطة والاستبداد، إلى المستوى الشعبي، فهل يمكن اعتبار عقل يسعى للكرامة والحرية والعيش في عز نفسي وإنساني مستحق مثل العقل الذي يرتضي الارتهان لولاية مستوردة أو أجندات غبية جعلت عقود الزمن تمضي وهو ليس مكانك سر، بل يرجع خطوات للوراء كل فترة؟ العقل المميز عربياً هو اليوم من ينتج ويطوع الظروف والثروة لمصلحته، ويتصالح مع مشكلاته ليس بالرضا عنها بل بحلها بواقعية، أما الآخر غير المتميز فهو من «توقف» عند نقطة تاريخية أو اجتماعية أو ثقافية ما، في إشكال واضح الملامح وأهم هذه الملامح: لا تفكر، لا تتقدم، ولا تضع معاييرك الخاصة للمنفعة والمعرفة. ولّى زمن العواطف، أو العيش بالوجدان أكثر من العقل، وجاء زمان «إعادة» التفكير، والتركيب للوعي، والقدرة الأكثر والأعمق وعن قناعة بضرورة التكيّف مع عناصر القوة، والأخذ بها، فلن يرحم ضعف هذا العقل حتى العقل الذي يشابهه، والذي لا يعرف أنه يشابهه، وهذا مكمن الخطورة والسخرية في آن واحد.
مشاركة :