د.جوزيف رامز أمين يكتب: قمة تونس

  • 4/8/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قد لا تكون القمة العربية الأخيرة بتونس قد تجاوبت بقوة مع طموحات الشعب العربى ،وآماله من المحيط الى الخليج فى انشاء سوق عربية مشتركة..وتسريع انتقال السلع والخدمات والأفراد بحرية بين الاقطار العربية ..ووجود قوة عسكرية عربية مشتركة تؤمن حدود الدول العربية وتتصدى للعنف والارهاب والتطرف ومحاولة العبث بأقدار الشعوب العربية،وحمايتها ضد كل غازى وطامع. قد لاتكون القمة قد تجاوبت بشكل كاف مع ما يثار عن صفقة القرن المزعومة..قد لا تكون خصصت وقتا وجهدا كافيا لانعقاد القمة الاقتصادية العربية الساعية لانشاء سوق عربية مشتركة"على حدة"وبشكل موازى لانعقاد القمة السياسية العادية..هذا بجانب العديد من الاخفاقات والاشكاليات التى طالت تلك القمة ووجهت لها بشأنها الانتقادات اللاذعة. .. واذا كانت كل هذه الانتقادات وغيرها قد أثيرت...وكذا انتقادات أخرى كثيرة قد ذكرت وتكررت من جانب العديد من المحللين والخبراء ..رغم ذلك فاننى أرى أن المسألة لا تقاس بهذا الشكل السطحى ,فى وقت بالغ الحساسية والخطورة ...وحيث أن مجرد انعقاد القمة العربية فى هذا التوقيت الصعب والحساس الذى تمر به الدول العربية من تفكك بعضها واستمرار الصراع والحروب الأهلية والاشتباكات المسلحة بل والثورات الشاملة فى البعض منها..هذا بجانب العبث الأمريكى والغربى الحالى فى قضايا العرب المحورية..تارة بسبب القدس وأخرى بسبب الجولان وثالثة بالنسبة :لسوريا والعراق واليمن وليبيا وما قد يحاك لهم :فرادى أو جماعات وذلك تحت مسميات عديدة :تارة بسبب حقوق الانسان والديمقراطية ,وتارة أخرى بحجة محاربة الارهاب ومكافحة"داعش" رغم كونه فى الأصل صناعة أمريكية-اسرائيلية بالأساس..هذا مع التآمر المستمر على مصير العرب ومستقبلهم..ومحاولة التدخل المستمر وغير المبرر فى شؤونهم..لذا فان مجرد انعقاد القمة وبمشاركة الفعاليات العربية الكبرى والقوى الاقليمية المؤثرة ,وفى هذا التوقيت يعد انجازا فى حد ذاته. وفى هذا السياق،يجب توجيه التحية للدبلوماسي المصرى الرفيع السيد/أحمد أبو الغيط "أمين عام الجامعة العربية,وكل الجهاز الادارى والدبلوماسى العامل معه بالجامعة وسط ظروف دقيقية" وحيث يقاتل كعادته دائما للحفاظ على هذا الكيان العربى والذى يمر بأصعب الظروف منذ نشأته عام 1945 والعمل على ابقاءه على حيز الوجود...كما نوجه التحية أيضا لكل الزعماء العرب المشاركين فى هذا الحفل الهام بلا استثناء. وفى ظل مجموعة من القرارات المصيرية –التى لا بأس بها-وصدرت عن القمة فهى تحافظ على الأقل على الثوابت والحقوق العربية ,وفى ضوء عدم الاتفاق الكامل بين الدول العربية الـ22 وقيادتها بشأن القضايا التى تواجهها كان يجب أيضا المفاضلة بين الخيارات المتعددة فيما بين الفرقاء العرب تجاه القضايا المصيرية والتى تواجههم..خاصة فى:اليمن،وسوريا،وليبيا,والابقاء على شعرة معاوية التى قد تحفظ لهذه الكيانات وجودها..والحرص على استمرار وجود مقومات الدولة التى لاتزال تنعم بها. ورغم المشكلات السياسية التى تعصف بالأمن العربى بل وبالوجود العربى ذاته,يجب أن نضع فى الاعتبار أيضا محورية الجانب الاقتصادى والاجتماعى وأهميته واعطاءه الأولوية اللازمة له للحفاظ على التوازن المطلوب فى عالم الكيانات والقوى الكبرى..والتى قد لاتكون فى معظمها منحازة للطرف العربى:فقط لغة المصالح والقوة التى تسيطر وتبسط نفوذها. لذا يجب أن نستفيق نحن العرب من نومنا..لقد بدأت محاور وأقطاب اقليمية وقارية هامة حول العالم تتعاطف معنا ومع قضايانا..ومنها بالطبع الدول الأفريقية التى تقارب ثلث دول العالم,وتحرص مصر والرئيس/السيسى بشكل دائم على التواجد فى المحفل الأفريقى ,لذا فقد سبقت زيارته للولايات المتحدة تلك الزيارة المحورية والاستراتيجية للغرب الأفريقى ...أيضا فقد بدأت قوى دولية هامة :كروسيا والصين وبعض الدول الغربية الأخرى وغيرهم تميل لاقرار الحقوق العربية بشكل يتعارض مع الانحياز الأمريكى الواضح وهذا مؤشر هام يدل على رغبة العالم فى حل القضايا العربية الرئيسية كالقضية الفلسطينية والسورية...وغيرهما بشكل قد لا يتفق مع المصالح الأمريكية –الاسرائيلية فى المنطقة العربية والشرق الأوسط,الذى تغيرت موازينه واختل التوازن فيه على مدار العقود الثلاثة الماضية...خاصة منذ الغزو الأمريكى السافر للعراق فى التسعينيات,وثورات الربيع العربى عام 2011,والفوضى الخلاقة التى صاحبتها وطالت العديد من الدول العربية بعد أن قفز عليها القاصى والدانى :كل حسب أطماعه وتطلعاته. على أية حال,أرى دائما الأمل فى الأفق ,والنجاح وارد رغم الصعاب ,بشرط التحرك والعمل والسعى فى كافة الاتجاهات :العربية والأفريقية والأوروبية والأمريكية ,وهذا نهج الرئيس السيسى فى سياسته الخارجية,والعمل مع كافة القوى والفعاليات ولعل دعوة الرئيس الامريكى ترامب للرئيس /السيسى لزيارة الولايات المتحدة يأتى فى هذا الاتجاه ويدل -رغم المواقف المسبقة للرئيس الأمريكى"ترامب" -على رغبة واشنطن فى تسوية الخلافات بشأن القضايا العربية والنزاعات المثارة مع الدول العربية ومناقشتها فى اطار الحوار الاستراتيجى بين الجانبين "الأمريكى-المصرى",ولما لمصر من مكانة دولية وعربية وأفريقية متميزة وقيادتها الحكيمة وخبراتها وكوادرها وقدراتها الشاملة. وفى هذا السياق,يمكن القول أن التحركات العربية مع مختلف القوى والفعاليات الدولية يجب أن تكون مكثفة وايجابية وتتناول كيفية معالجة الوضع الحالى ومنعه من أن يضعف أو يسوء بشكل أكبر,يصعب وقتها معالجته أو التعامل معه...بل يكون الهدف المطلوب هو حياد هذه القوى وضمان عدم انحيازها بشكل واضح ضد مصالحنا وتطلعاتنا.

مشاركة :