ردود فعل بعض الحكومات والصحافة الغربية تجاه بعض الأحكام الصادرة عن قضائنا المستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية تثير الدهشة والريبة، فالحكومات الغربية معروفة دوما ببراجماتيتها وسلوكياتها المتناقضة تجاه أي قضية، ولكن في النهاية مصلحتها العليا هي الأساس الذي تتمحور حوله كافة العلاقات التي تربطها بدول العالم، ولو استعرضنا بعض الأحداث التي ألمت بوطننا العربي خلال الفترة الماضية لوجدنا أن هناك ما يستحق اهتمام تلك الدول أكثر من قضايا داخلية في بعض الدول، فلم نر هذا التباكي على الأطفال الذين تدكهم إسرائيل وتبيد قراهم عن بكرة أبيها، ولم نر هذا التباكي على مجازر الأسد في سوريا؛ لذلك فإن الاهتمام ببعض القضايا دون البعض يرسم الكثير من علامات الاستفهام حول دوافعه وخلفياته. إن حرية التعبير أو الديمقراطية ــ كما يسمونها ــ هي نقطة الانطلاق لأي نقد وتطاول على سيادة المملكة دون اعتبار لقيمها ونظامها القضائي النابع من الشريعة وقيم وثقافة المجتمع، ولو عدنا لجميع الأديان السماوية سنجد أنه لا يوجد ما يسمى "الحرية المطلقة" ، فالحرية المطلقة تعني قدرة المرء على أن يفعل كل ما يريد وقتما يريد وبالشكل الذي يريد ومع من يريد، ولو تم تطبيق مثل هذا المبدأ الهوجائي فسنجد أن من حق أي فرد في المجتمع أن يقتل أو يسرق أو يقذف الآخرين دون ضابط أو رابط؛ لأن هذه هي الحرية المطلقة، والنتيجة بالطبع لا تحتاج إلى تعليق، وستنتهي بالمجتمع لعكس ما يريده دعاة الحرية من الأساس؛ لأنه وقتها لن يتمكن أي فرد من ممارسة حريته لغياب الحقوق واختلاطها وسيادة قانون الغابة ومبدأ البقاء للأقوى. من المؤكد أن تفسير الحرية المطلقة بالشكل السابق لا تقبل به المجتمعات الملحدة أو حتى البهائم؛ لذلك فالحرية يجب أن تمارس في حدود عدم التعدي على الدين والعرض وجميع الممتلكات الشخصية، وقد جاء ديننا الحنيف بمبادئه السامية الداعية لإقامة العدل والحق في المجتمعات، وقد سمح للفرد بممارسة حريته في إطار حفظ حقوق المجتمع وعدم الإساءة لأي طرف آخر فيه، والدين في كل المجتمعات خط أحمر لا يسمح بتجاوزه، فالدين هو نبراس المجتمع والشريعة التي توضح لكل فرد ما له وما عليه وتكفل له حقوقه، كما أن الإساءة للأديان يعد من أخطر الجرائم التي يعاقب عليها القانون، سواء في المجتمعات العربية أو الغربية، في العصور القديمة أو الحديثة، وللأسف يخطئ البعض حين يعتقد أنه يستطيع تجاوز هذا الخط الأحمر ولا يحترم مقدسات المسلمين في بلد عرف بمحافظته وتدينه. إننا ــ كمسلمين ــ لسنا بحاجة لأن نستورد الحرية من الغرب، فقد تكفل بها الإسلام، وديننا غني بكل ما من شأنه تهذيب سلوكياتنا وضبط مجتمعاتنا، فجادلهم بالتي هي أحسن هي أفضل قاعدة لتقنين طرق المناقشة والتحاور مع المخالفين في الرأي، ولسنا في حاجة لمن يبين لنا معنى الحرية، كما أننا لسنا بحاجة للاستماع لترهات تلك الدaول والمنظمات المشبوهة التي تتباكي بافتعال على معاقبة مثل هؤلاء بما يردع كل من تسول له نفسه الإساءة للدين. لا يساورني أدنى شك في أن استغلال مثل هذه القضايا هو مدخل من عدة مداخل أخرى للإساءة المستمرة والممنهجة للمملكة وأنظمتها، بل ولرموزها أيضا، والموضوع ــ في المقام الأول والأخير ــ تصفية حسابات سياسية في إطار الفوضى العارمة التي تدك منطقتنا، وللأسف فإن هذه الحملات الإعلامية المشبوهة تستهدف فقط فئة محددة من الشعب، وهي الفئة التي لا تقرأ كثيرا عن حاضر المجتمعات الغربية وماضيهم، الطبقة المفتونة بطبق الحلوى المسمومة، لكن المتحري للدقة سيجد الكثير من الكتب الغربية التي تفضح حقيقة الحرية المسمومة التي تنادي بها تلك الحكومات، ولعلي أذكر منها ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ كتاب "الاغتيال الاقتصادي للأمم" للكاتب الأمريكي جون بيركنز.
مشاركة :