حوكمة القطاع العام والشراكة المجتمعية كلمة حق أريد بها باطل

  • 12/6/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ظهر في الآونة الأخيرة مطالبات حثيثة تصدرت الاهتمامات الفكرية ، مفادها حوكمة القطاع العام وتفعيل دور الشراكة المجتمعية ، أبطالها موظفو القطاع الخاص وريادة الأعمال عندما تولوا وظائف قيادية حكومية ، بما يحملونه من أفكار استثمارية، تنطلق من أن قواعد وإجراءات القطاع الخاص أكفاء من قواعد وإجراءات القطاع العام ، هدفهم في ذلك إيجادأنظمة شفافة عادلة تحقق نتائج ايجابية ، تحد من الجوانب السلبية لإدارة المرافق العامة ، وهذا الكلام البراق يجد له بيئة خصبة لما يحمله من مبادئ تلامس مشاعر العامة ، فان كانت هذه الأفكار وجدت لها ارض خصبة في القطاع الخاص ، إلاأنها تفتقد أدنى مقومات الفكر القانوني السليم المتبصر بطبيعة المرافق العامة الخاضعة لأحكام القانون العام وقواعده ،للأسباب التالية : أولا : الحوكمة 1- إن حوكمة القطاع العام تعني إيجاد نظام شفاف وعادل تسير عليه المنظمة في جميع تصرفاتها القانونية ، فهل المنظمات الحكومية لدينا ليس لها نظام تسير عليه ، أم أن أنظمتها التي صدرت بمراسيم ملكية أنظمة غير عادلة . 2- إن حوكمة القطاع العام تعني ضرورة أن تعمل جميع المرافق الحكومية وفق أنظمة عادلة وشفافة معلنة للجميع ، فهل مرافق الدولة تعمل بدون أنظمة ، وهل يعقل أن تحوكم الحكومة . 3- إن حوكمة القطاع العام تعني ضرورة أن تعمل جميع المرافق الحكومية وفق نظام واضح وشفاف وعادل ومقيد ، وهذا يعني المطالبة بإيجاد نظام تتميز كل بنوده النظامية بخاصية التقييد ، فلا مجال لتطبيق السلطة التقديرية في أنظمة القطاع العام ، وهذا فيه نسف لمبررات السلطة التقديرية ، التي تربى بالمرافق العامة وموظفيها وقدراتهم على تتبع المصلحة العامة وفق سلطتهم التقديرية ، وعدم تقييد حريتهم، ما يجعل منهم آلة صماء تطبق ما يطلب منهم . 4- إن حوكمة القطاع العام تعني ضرورة إيجاد نظام واضح وشفاف ورشيد، يعلم بطبيعة المصلحة العامة الذي تبتغيها المرافق العامة مسبقاً ، وهذا يخالف أدنى قواعد أنظمة المرافق العامة ، التي تعمل وفق مصلحة متغيرة تبعاً لتغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، التي ترعى سير المرافق العامة وجعلها قابلة للتبدل والتغير بما يكفل عملها بانتظام واطراد . 5- إن جميع الدول التي قامت بتطبيق الحوكمة في القطاع العام ، قامت قبل تطبيقها بتغيير طبيعة مرافقها العامة التي كانت تدار بأسلوب تقليدي ، وحولتها إلى مرافق عامة اقتصادية ، واختارت أسلوب نشاط القطاع الخاص لإدارتها ثم طبقت عليها الحوكمة ، مثلما عملت وزارة الطاقة لدينا في إدارة مرفق البترول ، والكهرباء ، والغاز ، والمياه ، وهذا الأسلوب لا يتناسب مع المرافق العامة الإدارية التي تقوم بأحد أوجه النشاط التقليدي للدولة . 6- إن المقارنة بين المملكة العربية السعودية والدول الأخرى التي طبقت الحوكمة في قطاعها العام ، مقارنة غير عادلة ، لاختلاف أسلوبنشاط إدارة المرافق العامة في المملكة العربية السعودية ، والأسلوب المتبع في تلك الدول ، ودورها في الحياة الاقتصادية وتدخلها في تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي ومزاولة النشاط ذي الطبيعة الصناعية والتجارية . إن تفعيل دور المرافق العامة يتطلب تفعيل دور الرقابة الإدارية والمالية بشقيها السابق واللاحق ، لا التشكيك بأنظمة الدولة والمطالبة بحوكمتها . ثانياً : الشراكة المجتمعية 1- إن تطبيق الشراكة المجتمعية في المرافق العامة يتنافى مع طبيعة هذه المرافق الخدمية ، فالقطاع العام ليس شريكاً للمجتمع إنما هو خادم للمجتمع ، والمرافق العامة ما نشأت إلا لخدمة المجتمع وإشباع حاجاته ، بل إن إنشاء المرافق العامة فرضته حاجة مجتمعية بلغت درجة من الأهمية، اقتضى معها تدخل الدولة لإشباعها ، فكيف مع هذا نطالبه بالشراكة مع المجتمع الذي هو محيطه وما نشأ إلا لإشباع حاجاته ، بل إن المطالبة بالشراكة معه ، هو اعتراف بانفصال المرفق عن أهدافه ومحيطه . 2- إن تطبيق الشراكة المجتمعية مع المرافق العامة يتنافى مع أهدافها المحددة بمقتضى القوانين واللوائح ، والتي يتوجب عليها تطبيقها وفق الصلاحيات الممنوحة لها لتحقيق الخدمة المرسومة لها . 3- إن الفهم الخاطئ لمفهوم الشراكة المجتمعية كمصطلح يجد بيئته في القطاع الخاص ، والخلط بينها وبين مفهوم خدمة المجتمع ، كمصطلح يجد بيئته في القطاع العام ، افرز نشاطات للمرافق العامة ، وفق وظيفتها الأصلية لخدمة المجتمع والاتصال به كعمل أصلي أو تطوعي ، فهمت خطأ أنها من قبيل الشراكة المجتمعية . 4- إن مبررات الشراكة المجتمعية ، استندت إلىإثراء القطاع الخاص على حساب المجتمع ، الذي يتطلب معه الأمر ضرورة مشاركته بجزء من هذه الأرباح ، فما هي الأرباح التي حققتها المرافق العامة على حساب المجتمع . 5- إن طبيعة الشراكة المجتمعية ، تقتضي أن تقدم المرافق العامة خدمات إضافية للمجتمع ، فماذا يمكن أن تقدمه المرافق العامة خارج الصلاحيات المرسومة لها ، ووفق النفقة المقررة نظاماً ، والذي تم الارتباط عليها في ميزانية هذه المرافق وبنودها . ونحن لا ننكر دور المرافق العامة في هذا الجانب ، وخاصة في الجامعات الحكومية ، إنما هذا الدور يقدم من خلال عمادة خدمة المجتمع ، وهو ما نصت عليه المادة الأولى من نظام مجلس التعليم العالي ، والتي جعلت من الجامعات مؤسسات علمية وثقافية تعمل على هدى الشريعة الإسلامية ، وتقوم بتنفيذ السياسة التعليمية بتوفير التعليم الجامعي ، والدارسات العليا ، والنهوض بالبحث العلمي ، والقيام بالتأليف ، والترجمة ، والنشر ، وخدمة المجتمع في نطاق تخصصاتها العلمية فقط . إن من ينادي بتطبيق هذه الأفكار الوليدة من القطاع الخاص على المرافق العامة ، هو كمن يضع العربة أمام الحصان، وان من يصر على نجاحها في القطاع العام ، يتوجب عليه قبل أن يطبقها استقلال العربة التي أمام الحصان والاستماع إلى ىسعد الصغير وهو يغني اركب الحنطور واتحنطر . رابط الخبر بصحيفة الوئام: حوكمة القطاع العام والشراكة المجتمعية كلمة حق أريد بها باطل

مشاركة :