"لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنك أطلب وجه الله". هذه الجملة لم تكن موجهة لسفيه أحمق أو طفل غرّ.. بل هو ما قاله الخارجي زرعة بن البرح هو ورهط من جماعته ل(علي ابن أبي طالب) -رضي الله عنه- ليس فقط مجادلا إياه بعد قبوله بالتحكيم في معركة صفين، بل أيضا مطالبا بنقض المعاهدة والخروج لقتال جيش معاوية كرة أخرى. وعندما أجابه كرم الله وجهه بحكمة الخبير الحاقن لدماء المسلمين أن هناك معاهدة بين الطرفين، غادر الخارجي الأشعث الأغبر مغضبا يصيح: لا حاكم إلا الله.. فأجابه من له في الإسلام السابقة الأولى مقولته الشهيرة؛ الله أكبر.. كلمة حق أريد بها باطل. وذلك قبل أن ينسل خنجرهم الغادر إلى ظهر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته وهو يؤدي صلاة الفجر، وظل عبر الأزمنة صياحهم الغوغائي تتناقله صفحات التاريخ ولم يندثر. وبقيت الحاكمية معسكراً للرؤى المتطرفة مثخنة بذلك الإرث الدموي والروح التدميرية.. والتي تغلغلت في مكوننا التاريخي والثقافي وشكلت ركاماً خصباً ومحاضناً لفكر الإقصاء والعنف يوظفها من يشاء شعاراً لخدمة أجندته/ والإخواني سيد قطب أبرز نجومها في العصر الحديث. وعلى امتداد التاريخ الإسلامي اشتجرت الفرق وتفرق شيعا أصحاب المذاهب، وسالت الدماء وجزت الرؤوس.. وظلت ذريعة الحق تعبث بعقول السذج ليستتر خلفها الباطل. على سبيل المثال في القرن الرابع الهجري وتحت شعارات إسلامية هاجمت فرقة القرامطة مكة المكرمة في موسم الحج، وأعملوا السيوف في رقاب الحجيج، واستحلوا حرمة البيت الحرام، فخلعوا باب الكعبة، وسلبوا كسوتها الشريفة، واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه، واحتملوه إلى بلادهم، حيث أبقوه عندهم نحو اثنتين وعشرين سنة، قبل أن يُعاد إلى البلد الحرام. هذه الصور الدموية في ذاكرة التاريخ تستدعيها رؤية خليفة الدواعش يخطب في اتباعه من فوق منبر مسجد الموصل، كأنه يؤدي دوراً في مسلسل تاريخي بميزانية هزيلة، لنتيقن وقتها بأن ميليشيا داعش هي طفرة كاريكتورية لمتطرفين وفلول جيش البعث المخترقين من قبل المخابرات السورية والحرس الجمهوري. جماعات بلا رؤية واضحة أو رسالة، محض شتات ما برح يعيش أمجاد دولة الغنيمة.. يعرف الجميع بأنها تحمل داخلها بذرة فنائها. لكن السؤال هنا إلى متى ستظل سوق تجار الشعارات الدينية رائجة لدينا؟ وبعد حادثة فندق شرورة إلى متى ستظل هذه المزايدات تستقطب الاتباع وتهيج المريدين؟ من يوالي هذا الفكر التكفيري المتطرف القائم على النفي والتفسيق والتبديع.. بالعناية والسقيا؟ هذا الفكر له محاضن وخلايا واتباع، وترسانة من الذين يدعمونه بالفتاوى، كقافلة نمل غامضة متناثرة في المكان لها خلايا تحت أرضية متغلغلة؟ منجزنا الوطني ووحدتنا خط أحمر دون العبث.. والمكون الداعشي بالداخل نواجهه بسد الشقوق التنموية التي يتسرب منها المحرضون، توسيع دائرة القرار، وقمع الفساد عبر الشفافية وأيضاً توسيع دائرة المحاسبية ولا أحد فوق القانون، وقبل أي من هذا.. تجريم فكر التطرف وفتواه ورفع الحصانة عن متبني ذلك الفكر ومحاكمتهم. داعش بشكلها الحالي.. هي مسرحية بحبكة مهلهلة لمجموعة من الهواة لكن ماذا عن المكون الداعشي في مجتمعنا.. ماذا عن المتواطئ والراضي.. والممول؟ ماذا عن لم آمر بها ولم تسؤني..؟ ماذا عن الصامت عن الحق كشيطان أخرس؟ ماذا عن كلمات الحق التي يراد بها باطل؟
مشاركة :