الإسلام.. بين السيف والثقافة | محسن علي السُّهيمي

  • 3/18/2015
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

كان للإسلام منذ أشرقت أنواره على بطاح مكة من اسمه نصيب؛ فهو دين سِلْم وسَلام؛ فلم يُبعَث به الرسول - صلى الله عليه وسلم- لينشر الرعب والخوف بين الخَلق، وإنما ليمنحهم الكرامة ويرشدهم للهداية. بدأ الإسلام في مكة سِلمًا وتعرض أتباعه للتعذيب، ومع هذا جنحوا للسَّلْم. هاجر الرسول إلى يثرب بطريقة سِلميَّة، ودعا فيها للإسلام بالسِّلْم، ولم يلجأ للسيف إلا عندما اضطرَّته قريش وأحلافها لحمله في بدر وأحد وما تلاهما. ثم جاءت الخلافة الراشدة وفتحت الأمصار، ولم يُلجأ للسيف إلا بعد أن خُيِّر أهل تلك الأمصار بين دخولهم الإسلام أو دفعهم الجزية أو الاضطرار للسيف، ثم توسعت رقعة الدولة الإسلامية والمبدأ واحد والمنهج ثابت. وهكذا انتشر الإسلام وتمدد من السِّند شرقًا حتى الأندلس غربًا بفعل مبادئه العظيمة وصدق حامليه وتمثلهم لتعاليمه، لا بفعل السيف الذي لم يَلجأ إليه المسلمون إلا اضطرارًا وكان خيارهم الأخير. بعد ذلك تمدد الإسلام شرقًا حتى وصل جزر إندونيسيا والفلبين بفعل الأخلاق والمبادئ الإسلامية التي تمثَّلها التجار المسلمون مع أهل تلك الجزر. من هذا نعلم أن المسلمين في مرحلتهم الأولى لنشر الإسلام استخدموا السيف (خيارًا أخيرًا) مع خصومهم حينما كانت القوة المادية لديهم تفوق أو تعدل قوة خصومهم، ثم في مرحلة تالية استبدلوا -لنشر الإسلام- الأخلاقَ في تعاملاتهم بالسيف (خيارهم الأخير) بعد نفاد خيارَي دخول الإسلام أو دفع الجزية. والناظر في حال المسلمين اليوم يجدهم لا يشكلون شيئًا في ميزان القوى- وهو ما كان يميزهم في صدر الإسلام- ويجد أكثرهم غير متمثلين للأخلاق والمبادئ الإسلامية في تعاملاتهم وهي التي ساهمت في نشر الإسلام في مرحلة تالية. وعلى هذا ينبغي أن يبحثوا اليوم عن بديل آخر غير القوة - وإن كانت ضرورة- حتى يستطيعوا إيصال رسالة الإسلام. من وجهة نظري أرى أن الإعلام بوسائله، والثقافة بآدابها وفنونها المختلفة تعدان -اليوم- وسيلة مُثلى تكفل الوصول للغاية وتحقيق الأهداف. وسائل الإعلام بمثابة قنطرة لحمل رسالة ثقافية (نقية) للمستهدَفِين بها، مضمون الرسالة ينبغي أن يصل في قالب ثقافي جذاب يُحببه للمستهدَفِين به، فعالَم اليوم يتخذ من الإعلام بوسائله والثقافة بآدابها وفنونها سلاحًا ناعمًا لتحقيق غاياته وتمرير أهدافه دون أدنى مقاومة، وهو ما أُطلق عليه قبل فترة مسمى (الغزو الفكري). ولذا جدير بنا -نحن المسلمين- أن نشتغل على هذا الأمر الذي يُشكل غزوًا ناعمًا لا يبعث في المستهدَفِين ممانعة، ولا يخلِّف بينهم ضحايا، لا أن نبقى مستمسكين بخيار القوة الذي نفتقده. Mashr-26@hotmail.com

مشاركة :