كانت المقاهى فى البلاد العربية، مقرا لإنشاد الراوى للقصص والسير الشعبية، وتعد هذه المقاهى مسرحا للأنشطة الفنية المتعددة التى يجتمع على شرفها الفنانون والمنشدون يقدمون إبداعاتهم الفنية والغنائية، وذلك امتدادا لدور المقهى فى الترفيه عن مريديها، وحسب شهادة الرحالة الأوروبيين فى القرن الثامن عشر، كان الراوى يقوم بحركات تمثيلية أثناء إنشاده مستخدما الربابة فى التعبير عن الإشارات والحركات فى كثير من المواضع.وعندما اتسعت شهرة الفنانة منيرة المهدية التى تتميز بقوة صوتها العذب، قررت افتتاح مقهى «نزهة النفوس» فى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فى حى الأزبكية بالقاهرة، على أن يكون منبعا للفن، وقدمت عليه موسما فنيا ناجحا، ومن أشهر أغانيها «أسمر ملك روحي»، و«يمامة حلوة»، و«ارخى الستارة»، و«وعلى دول يا ما على دول»، و«بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة»، و«أشكى لمين الهوى»، و«أنا هويت»، و«أنا عشقت»، و«عليه سلام الله» وغيرها، وأصبح هذا المقهى ملتقى الإبداع لرجال الفن والفكر والسياسة ومصدر إشعاع للفنون، ثم بعد ذلك تخصصت بعض المقاهى فى الأزبكية وحى بولاق فى تقديم الفصول المضحكة المرتجلة والأراجوز وخيال الظل، وكان الفنانون الشعبيون يقدمون المواويل والسير الشعبية عزفا على الربابة والآلات الشعبية.وشهدت المقاهى عروضا مسرحية تقدم فى قاعاتها أمام المريدين، وسجل تاريخ المسرح عندما وفد الشيخ أحمد أبوخليل القبانى من سوريا إلى الإسكندرية على رأس فرقته، أنه استأجر قهوة «الدانوب» لتقديم مجموعة من عروض الفرقة المسرحية من بينها «أنس الجليس»، و«نكران الجميل»، و«نفح الربى»، و«عفة المحبين أو ولادة»، و«الأمير محمود»، و«الشيخ وضاح»، و«زهرة الرياض»، حتى ذاع صيت قهوة «براديزو» فى الإسكندرية وتوافدت عليها مجموعة من الفرق المحلية والأجنبية من بينها فرقة سليمان القرداحي، جمعية نزهة النفوس، جوق البراديزو المسرحى الغنائي، جوق مسيو سكوبناميليو، وقد أحيت فرقة فوزى الجزايرلى موسمها الفنى فى عشرينيات القرن العشرين أحيانا بقهوة «شيبان» بالإسكندرية.وازدهرت عروض الفرق الارتجالية المسرحية الهزلية فى القاهرة فى أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وقدمت موسما فنيا فى مقاهى أحياء الأزبكية، والحسين، والسيدة زينب، من بين هذه المقاهى مقهى «كامل»، الذى قدمت عليها فرقة جورج دخول الارتجالية أعمالها الفنية، ومقهى «دار السلام» فى الحسين الذى تحول إلى مسرح بسيط قدمت عليه فرقتى فوزى الجزايرلي، والشيخ أحمد الشامى أثناء الحرب العالمية الأولى، واستمر هذا المسرح فى تقديم العديد من الفرق منها فرقة عبدالحميد عزمي، وسلامة القط، ومحمد ناجي، وغيرها من الفرق التى استمرت حتى ستينيات القرن العشرين، حتى اندثرت مسارح هذه المقاهى عقب الحرب العالمية الأولى بزوال أغلب الفرق الارتجالية، وإنشاء المسارح بمنطقة عماد الدين الذى أصبح مصدرا للحركة المسرحية بين الحربين الأولى والثانية.
مشاركة :