للعقيدة الإسلامية أثر بالغ فى نفوس معتنقيها لسماحتها وملاءمتها للنفس البشرية، وهو الذى انعكس بشكل كبير على الفنون فى شتى مجالاتها، كان أبرزها العمارة الإسلامية. فعلى مدار شهر رمضان المبارك تأخذكم «البوابة» فى رحلة بين مساجد مصر وأضرحتها، لنتعرف على تاريخ نشأتها، وتأثيرها الروحانى فى قلوب مُرتاديها. تعتبر مدينة المحلة من المدن المصرية القديمة، وكانت تشتهر بأنها إحدى المدن الكبرى التى بها أسواق ومساجد ومدراس وقياسر وبزازين وفنادق ومنارة كما يشقها نهر النيل.. إلخ وتحتفظ المحلة الكبرى بالكثير من الآثار الإسلامية، كالمساجد والتى تبلغ نحو ٤٠ مسجدًا غير الزوايا الصغيرة والأضرحة، ولعل من أقدم آثار المحلة هو مسجد وجامع الغمرى «التوبة، والذى يرجع إلى العصر الفاطمى، من القرن السادس الهجرى». وقد أعيد بناء المسجد الأصلى عدة مرات ما أدى إلى تغير معالمه الأصلية، ولم يبقَ بالمسجد سوى اللوحة التأسيسية، والذى تم إنشاؤه ما بين عامى ٨٩٩ و٩٠٥ هـ، على يد الشيخ أحمد بن محمد بن عمر الشهاب أبوالعباس الغمرى ابن الشيخ محمد الغمرى المدفون بجامع الغمرى القبلى، وعرف عن الشيخ أحمد الغمرى بحبه لبناء المساجد، وتعميرها، مثل والده حتى قبل أن يتوفى قام ببناء ٥٠ جامعًا منه جامع بالقاهرة والذى دفن فيه بعد وفاته عام ٩٠٥هـ. وثبتت اللوحة التأسيسية للمسجد بجوار المحراب، والتى نقش عليها بالخط الكوفى اسم وصاحب المسجد وتاريخ إنشائها، كما توجد لوحة رخامية أخرى مثبتة على واجة المسجد، والتى محيت الأسماء عليها بالعمد، وترجع اللوحات إلى عصر أقدم من عصر الإنشاء وهو نهاية القرن الخامس الهجرى والحادى عشر الميلادى، وقد أعيد استخدامها فى هذا العصر، واحتوت على كتابات كوفية أقدم، فاللوحة الأولى هى عبارة عن لوحة رخامية بها زخارف نباتية لورقة ثلاثية مكررة بالحفر البارز والغائر بالتبادل، أما اللوحة الثانية فهى لوحة رخامية بها كتابة بالخط الكوفى البارز تبدأ بعد البسملة بالآية ١٨ من سورة التوبة، واللوحة الثالثة فهى رخامية بها ثمانية أسطر من الخط الكوفى الغائر باسم الوزير الفاطمى الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالى، واتضح مؤخرًا أن هذه اللوحة بها سطرين على الوجه الأخر بالخط الكوفى الكبير البارز، مما يدل على أنها كانت مستعملة من قبل وترجع إلى القرن الثالث والرابع الهجرى وهى عبارة عن جزء من آية الكرسى نصها: «السموات وما فى الأرض من»، و«يعلم ما بين أيديهم وما». أما مئذنة المسجد فتُعد هى العنصر الوحيد الباقى من الجامع الأصلى، وترجع أهميتها إلى أنها المثل الوحيد فى عمائر المحلة الكبرى الإسلامية والعمائر الدينية بصفه عامة فى منطقة وسط الدلتا، والتى بنيت بالحجر إلى التفاصيل المعمارية الرائعة خارج وداخل المئذنة، وتتكون المئذنة من قسمين، القسم الأول هو الجزء المملوكى الأصلى ويشمل القاعدة والطابق المثمن؛ وقد اختفت معالم القاعدة خلف المنازل الملاصقة لها، وتتكون من مستويين مربعين وتنتهى من أعلى بأربعة مثلثات ركنية، أما القسم الثانى فهو الجزء الذى تمت إضافته من عصر الأسرة العلوية، ويشمل شرفة آذان مثمنة والمقرنصات الحاملة لها ثم بدن أسطوانى تعلوه رقبة أسطوانية يعلوها قمة مخروطية من الخشب البغدادي؛ ويبلغ الارتفاع الكلى للمئذنة ٢٢.٧٠ متر.وأشيع على المسجد بأنه يحتوى على نفق وسرداب بطول ٨ كم وعرض ٤ أمتار، وكان يستخدم فى إخفاء ما يقوم بنهبه جنود المماليك من بضائع التجار؛ لكن عند معاينة هذا النفق عام ١٨٩٩، تبين أنها فتحة لقناة مقبية كانت تمتد من جامع التوبة إلى خليج المحلة لتمد صهريج الجامع بالمياه من الخليج بما يفى حاجة المصلين.
مشاركة :