يُعد أحمد حسن الزيات واحدا من كبار رجال النهضة الثقافية فى مصر والعالم العربي، فقد كتب كتابا يحمل عنوان «من وحى الرسالة»، وهو مجموع ما كتب من مقالات فى مجلة «الرسالة».وصف الزيات فى هذا الكتاب شهر رمضان ومظاهره فى حى الحسين قائلا: إن من لم يشهد شهر رمضان فى هذا الحى أو حى «الحسينية» بالقاهرة أو أمثالهما من الأحياء القديمة، لم يشهده فى قداسته المهيبة وجلالته الباهرة. وتابع: كنت فى إحدى لياليه أخرج متى استيقظت المشاعر من فترة الصيام وسكرة الطعام، فأعبر القرون العشرة التى تفصل بين قاهرة الملك فؤاد وقاهرة الخليفة المعز، فأجد رمضان العظيم قد نشر بنوده وأعلن وجوده فى كل شارع وكل منزل. ويضيف الزيات: شهر رمضان خير يتدفق فى البيوت وبشر يتهلل فى الوجوه وأنس يتطلق فى المجالس وذكر يتضوع فى المساجد، ونور يتألق فى المآذن، وسمر يتنقل فى الأندية، ونفحات من الفردوس ترطب القلوب وتلين الأكباد وترف على ما ذوى من العواطف. ويوضح الزيات: فى هذا الشهر تكون الحوانيت سامرة وإن لم تبع، والمصانع ساهرة إن لم تُنتج، والأبهاء عاطرة بحديث الأحبة حتى منتصف الليل، والأفنية عامرة بذكر الله حتى أول السحر، وكثير من الناس فى هذا الشهر قد أخذوا مجالسهم من قهوات الحى ينضحون مزاجهم الظامئ بالفناجيل الروية، ويشفقون أحاديثهم الطلية بالنكات المصرية، ثم يستمعون فى خشوع العابد وسكون العاشق ولهفة أصداء الطفل إلى القصاص، وقد طوّفت به أشباح القرون، وغمغمت فى صوته أصداء الزمن، ويتربع فى صدر المكان منصة عالية من الخشب العتيق وهو فى سمته وهندامه ولهجة كلامه وطريقة سلامه نموذج العامى الأديب ومثال الحضرى المثقف، حفظ كثيرا من الأشعار فاكتسب ظرف الأدب، وروى صدرا من الأمثال فاكتسى وقار الحكمة ووعى طائفة من الأخبار، وهو فى ذلك بارع النادرة دقيق الفطنة عذب المفاكهة حاضر الجواب، يؤدى إلى هذا الجمهور دعوة الواعظ وأمانة المعلم ورسالة الأديب.
مشاركة :