يظل شهر رمضان الكريم المنبع الكبير الذى يلهم الكثير من الكتاب والأدباء للكتابة عن تلك المظاهر الشعبية، التى يتمتع بها الشهر الكريم، فهناك الاحتفالات وزينة الشوارع وطقس المسحراتي، وسهرة المقرئين فى بيوت الأثرياء لإحياء ليالى الشهر الكريم، كل ذلك شكل عالما منفردا لليالى رمضان المباركة، ويمكن القول إن هناك كتّابًا برعوا فى التصوير لدرجة أننا أحببنا ما صوروه بلغتهم أكثر مما هو فى الواقع، وربما ظل تصويرهم وتعبيرهم راسخا فى القلوب والذاكرة أكثر من ذكرياتنا الحقيقية التى عشناها مع أحداث كتبوا عنها بدقة متناهية وصوروها فخلدوها، وهذا ما حدث مع كتاب وأدباء كبار؛ حيث وثقوا لبعض الطقوس الرمضانية الخاصة من خلال رواياتهم، ومن هؤلاء الكتاب الذين لا ينساهم القراء على مر التاريخ الكاتب الكبير يوسف إدريس فى روايته «جمهورية فرحات».تدور القصة حول الصول فرحات وأفكاره عن عالم الشرطة والإجرام، القصة تم نشرها كمسرحية وقصة فى آن واحد؛ حيث كانت قصة فى البداية ثم أجرى عليها الكاتب بعض التعديلات التى تسوغ أن تكون مسرحية جديرة بهذا الاسم. وصف «إدريس» الصلاة فى الجوامع فى شهر رمضان فى هذه الرواية قائلا: «إن الجامع قد امتلأ روعة وأحاسيس رنانة فيها دمدمات موسيقية ضخمة، يكح المصلى من هؤلاء فيكح فراغ الجامع الهائل».وتابع «إذا قيلت «بسم الله الرحمن الرحيم» فسرعان ما تتضخم وتتضخم وترن وترن وتكبر وتكبر وتموج وتلد بسملات أخريات تتصادم وتتكسر عند الجدران العالية والملساء، والأروع حين يسجد المصلون باركين على الأرض فمئات الظهور المنحنية كلها متشابهة، وإن اختلفت فى ألوان ملابسها صانعين بهذا سجادة عالية محببة مزخرفة بكل الألوان تفرش المسجد من الحائط للحائط.وعن رمضان يذكر إدريس خلال الرواية أن هذا الشهر سيعرف لأنه يرى الناس ولا يرونه ويعرف إن كانوا يفطرون أو لا يفطرون. وقد ارتسم رمضان فى عقل بطل الرواية كأنه فى حجم الدنيا كلها يجلس على عرش من ذهب وألماظ بعيدا بعيدا خلف الشمس، ووراء كل النجوم والسحب، ويعرف دون أن ينظر من الفاطر ومن الصائم ويبطح الفاطر ويلقى عليه حجرا يصيب منتصف جبهته ويسيل الدم.
مشاركة :