الفوضى الإستراتيجية العربية ! | وائل مرزا

  • 3/22/2015
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

يمكن لما يجري في أرجاء العالم العربي مؤخراً، وخاصةً في سوريا واليمن والعراق، أن يكون نموذجاً مثالياً لما يُسمى في عالم السياسة بحالة (الفوضى الاستراتيجية). إن دخول شعب من الشعوب في نفق الفوضى الاستراتيجية يعني وجود نوعٍ من الجهل والتناقض والاختلاف في أوساطه على ثلاثة مستويات من المعرفة. مستوى معرفة حقيقة ما يجري على أرض الواقع، ومستوى معرفة أسباب ما يجري، ومستوى معرفة طُرُق التعامل مع ما يجري.. وجليٌّ من المتابعة البسيطة أن درجة الانقسام والتشظّي في العالم العربي تجاه الأسئلة المتعلقة بتلك المستويات الثلاثة من المعرفة باتت غير مسبوقة في التاريخ العربي المعاصر. إن الشارع العربي يزدحم هذه الأيام بحكايات وتحليلات وأقاويل تكاد تشبه الأساطير التي تختلط فيها الحقائق بالأوهام والخيالات بالإشاعات، وهي أساطير تمتدّ من النقيض إلى النقيض. فمابين هالات القداسة والتضحية والفداء والإخلاص من جانب، ودعاوى التخوين والتآمر والعمالة من جانب آخر، ضاعت أمام المواطن العربي أي ملامح تهديه، ولو إلى حدٍ أدنى لحقيقة ما يجري على هذه الأرض العربية. حتى أصبح هذا المواطن يشكّ بكل شيء، فهو يشكّ في زعاماته السياسية، ويشكّ في قياداته الفكرية، ويشكّ في مراجعه الدينية، ويشكّ في جماعاته وأحزابه بكل طروحاتها ومواقفها وأفكارها، فضلاً عن الشكّ العميق الذي أصبح يحاصره من كل جانب فيما يتعلق بحاضره ومستقبله. وخطورة هذا الشك تتمثل في أنه يؤدي لفقدان الثقة في كل الأفكار وفي كل السياسات وفي كل الأشخاص والقيادات والرموز. الأمر الذي يعني شيئاً فشيئاً سقوط كثيرٍ من المحرمات الثقافية والسياسية على وجه الخصوص، ويعني بالتالي زعزعة أي أسس متبقية للمشروعية الثقافية والسياسية لكثير من الكيانات العربية، وهو ما ستترتب عليه إمكانية تفكيك العالم العربي على المدى المنظور. يخطىء كثيراً من يعتقد أن (الاستقرار) في هذه المرحلة هو ضرورةٌ إقليمية وعالمية عاجلة، ويراهنُ على هذا الاعتقاد، بل ويجعله محور سياساته وقراراته. خاصةً إذا نظرنا إلى المسألة في أبعادها الاستراتيجية طويلة المدى، وعرفنا أن الفوضى ربما تكون مؤقتة الآن إذا كان بالإمكان أن ينبني عليها نوعٌ آخر من الاستقرار ربما يكون أشدّ رسوخاً وأكثر تلبيةً لمتطلبات المصالح الاستراتيجية العالمية.. وخاصةً أيضاً إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة التباين والاختلاف في تلك المصالح العالمية نفسها، والدور الكبير الذي تلعبه توازنات القوى الراهنة في الاتجاه الذي تأخذه تلك المصالح. والواقع أن إدراك هذه الحقائق يمكن أن يكون خطوةً أساسية على طريق محاصرة حالة الفوضى الاستراتيجية التي نتحدث عنها. فالحقيقة المُرّة تؤكد أن الوصول إلى تلك الحالة يعتمد بشكلٍ رئيس على قدرة مختلف اللاعبين الإقليميين والعالميين على النفاذ من مداخل الخلخلة الموجودة بكثرة، ليس فقط في النظام السياسي العربي، وإنما أيضاً في المنظومات الثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية العربية بشكل عام. ولكن الطبيعة الحساسة للمرحلة، وحجم المسؤولية الملقى على عاتق بعض قيادات النظام السياسي العربي التي لاتزال قادرة على الفعل، وبشكلٍ يتناسب مع نفوذهم ودورهم والإمكانيات المتاحة لديهم، يحتّم على تلك القيادات أن تقوم هي بالمبادرة على طريق معالجة مفاصل الارتخاء والهلهلة والاهتراء التي تملأ جوانب النظام السياسي العربي على وجه الخصوص. والتي تتسبب في تأكيد واستمرار حالة الفوضى التي نتحدث عنها، وتكون مدخلاً رئيساً من مداخل الفوضى الاستراتيجية، وسبيلاً بالتالي إلى تفكيك العالم العربي، في وضعٍ هو أشبه ما يكون بالانتحار الذاتي. waelmerza@hotmail.com

مشاركة :