وهج الكتابة: القـلـمبيـوتر والكتاب

  • 5/19/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يقال إن الكاتبَ يولدُ وفي روحهِ القلم لا يُغادره حتى وهو نائم. يضعهُ بجانب سريره مع كرّاسة أو أوراق فربما تداهمه أو تعانقهُ في الحلم فكرة أو يزوره شيطان الشعر أو جنون السرد فيقفز من نومهِ جالسًا ليدوِّن صيده الثمين لتتحول هذه المدونات أو الملاحظات أو الأفكار إلى ذخيرة أو كنز ثمين يعود إليه ليطعم به نصوصه أو أعماله القادمة. القلمُ مُقدسٌ وله هالة سحرية. هذا القلم بدأ يتوارى ويعلن استسلامه أمام الوحش الحنون الجميل وهو الكمبيوتر. معظم الكتّاب الذين اعرفهم رموا القلم جانبًا وفضلوا عليه لوحة المفاتيح أو الكيبورد في حين ظلّ البعض وأغلبهم من الجيل القديم متشبثًا بالقلم لا يتنازل عنه أمام جميع المغريات الإلكترونية كالكمبيوتر والآيباد والهاتف الذكي لأن علاقتهم الإبداعية أو الخلق الإبداعي لا يحدث إلا عندما يمسكون هذا القلم السحري. وعلى الصعيد الشخصي عاصرتُ القلم دهرًا منذ طفولتي المبكرة وكان صديقي وخليلي وونيسي وكنت استهلكُ أوراقًا كثيرة لكتابة قصيدة واحدة مثلاً، فأنا لا أحب أن أرى الشخبطة في الأوراق، وأعاني توترًا كبيرًا وأنا أرى كومة الأوراق أمامي حتى بزغ فجر الكمبيوتر فاختطفتني برامجه المخصصة للكتابة بدءًا ببرنامج «نافذة» وصولاً إلى «الوورد» الذي بدأ يتطور يومًا بعد يوم، ما سمح لي بسهولة الكتابة والتنسيق والتصميم. ربّما أصبحت «نذلا» - إذا صح التعبير- وخنتُ حبيبتي الأولى وهي القلم لمصالح شخصية. فإنني يتحول لديّ كل ما أحبه إلى أنثى! وربما لا أفشي سرًا أن معظم كتاباتي اكتبها عبر الهاتف المحمول وخاصة على الفيس بوك الذي أعتبره سبورة أكتب عليها كل شطحاتي ونصوصي سواء نشرتها ليقرأها أصدقائي على الفور أو استخدمت خاصية «أنا فقط» التي لا تسمح لأحد بالاطلاع عليها. وربما لا يعرف الكثيرون أن روايتي الأولى «وللعشق رماد» وروايتي الثانية «طريق العنكبوت» قد كتبت معظم أجزائها على الفيس بوك باستخدام خاصية الخصوصية المذكورة ثم أنقلها إلى ملفاتي في الكمبيوتر في اليوم الثاني. فأنا بمجرد أن أضع أصابعي على الكيبورد تبدأ رحلة الكتابة وليس بإمكاني الكتابة من دون ذلك وما عاد القلم يطيعني مثل أيام الصفاء الأولى سوى للتوقيع. خنتُ القلم (وليس من طبعي الخيانة!) وأخلصت للكتاب، فأنا لست من محبي القراءة على الشاشة إلا المواضيع القصيرة، والكتاب الإلكتروني لا يجتذبني وفي الأحوال النادرة التي يستحيل عليّ الحصول على نسخة من الكتاب اضطر إلى طباعة الكتاب الإلكتروني لأقرأه كعادتي وأنا مسترخ على الأريكة. فهذه الأريكة هي فردوسي في بيتي بعيدًا عن عواء الذئاب وأخطار العواصف في الخارج. هنا أكون أنا أنا..هنا مملكتي وحدي. الكتاب الورقي بالنسبة إلي إنسان من لحم ودم وبعبارة أدق امرأة دافئة.. احتضنه بحنان ويحتضنني بحنان وهو جالس على صدري. فالكتاب حبيبة أكثر من أي شيء آخر، أحس بوهجها وألقها اللذين لا يوجدان في الكتاب الإلكتروني. فأنا لا أعرف أن أقرأ إلا وأنا مستلقٍ على أريكتي الأثيرة واحيانًا سريري. هناك علاقة حب جارفة تربطني بالكتاب منذ طفولتي المبكرة، علاقة استمرت وما زالت ساخنة وسوف تستمر إلى آخر العمر، كما يبدو، على الرغم من يقيني التام انه بعد فترة من الزمن سوف لن نرى كتبًا أو صحفًا ورقية، وكل شيء سيكون إلكترونيا ربما حتى المشاعر والعواطف، وربما الإنسان ذاته، لا قدر الله، ولكن ما يخفف عليّ شعوري بالحزن باختفاء الورق غالبًا هو أننا لن نكون أنا وأبناء جيلي من الأنقياء موجودين والله أعلم. Alqaed2@gmail.com

مشاركة :