هادي المهدي يكتب: هل تسامحنا أخيرًا مع التصوف

  • 5/23/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مع مقتل الحسين بن منصور الحلاج علي يد الخليفة العباسي المقتدر بالله ببغداد في القرن الرابع الهجري تم محو آثار التصوف الفلسفي في المشرق العربي ولم يبن أثرا إلا بعد قرون مع تصوف الدروشة.رغم مقتل الحلاج علي يد الخليفة إلا أن هذا الخليفة لم يكن يبسط سيطرته على كل أراضي المسلمين ففي الغرب الأندلسي وتحديدًا في مدينة مورسية وُلد سلطان العارفين محيي الدين بن عربي.إن سيادة الخطاب السلفي التكفيري وسطوته على العامة في المشرق العربي وسطوته أيضًا على منظومة الحكم في ظل الخلافة الإسلامية هو ما جعل التصوف منبوذًا بل ومضطهدًا في ديار المسلمين ومنذ أن كتب الغزالي كتابه المشؤوم "تهافت الفلاسفة" وكفّر فيه من كفّر أعطى الضوء الأخضر لاضطهاد المتصوفة وخصيصًا أن التصوف كان يتخذ في هذا الوقت نمطًا فلسفيًا وهذا هو التصوف الأصيل يظهر ذلك من خلال علاقة محيى الدين بن عربي بالفيلسوف بن رشد فيما بعد .رأى الأصوليون والمتعصبون لزمن طويل فلسفة اليونان كفرًا لا يجب الأخذ منه فضلًا عن الاطّلاع عليه وكون بن عربي نشأ في ظل كتب أفلاطون وفيثاغورس فقد تم ضمه إلى قائمة المغضوب عليهم حتى قال عنه الفقيه الحنفي علاء الدين محمد بن علي أنه خارج عن الشريعة ومن طالعه ملحد حتى استطاع أن يظفر بأمر سلطاني حينها بتجريم مطالعة كتبه إلى أن كتب العز بن عبدالسلام رسالته "تنبيه الغبي في تبرئة بن عربيّ" .رغم أن بن عربي له فلسفة مختلفة عن فلسفة الحلاج ورغم أنه كان معارضًا لأهم أفكار الحلاج وهي فكرة "الحلول والاتحاد" إلا أننا لا يمكن أن نضمه إلى الجوقة التي باركت قتل الحلاج فليس هو من يدعو للقتل وهو القائل "الطريق إلى الحقيقة متعدد بتعدد السالكين" .كنت أتمنى منذ سنين أن أرى عملًا تليفزيونيًا يتناول سيرة هذا الرجل وقد أجادت علينا قناة "الإمارت" الفضائية بالعمل الدرامي "مقامات العشق" ، والعمل وإن كان به بعض السلبيات الفنية إلا أن فكرته رائعة وكون الإخوة في الإمارات الشقيقة قد وضعوا هذه الفكرة حيز التنفيذ فلابد أن نشيد بهم خصوصًا وأنهم خرجوا عن الأعمال الدينية الدرامية للأشخاص النمطية في التاريخ الإسلامي ووجهوا العمل نحو شخصية خلافية تستحق أن يُقرأ عنها الكثير وأن يُقرأ لها الكثير وهذا ذكرني بما فعله الراحل صلاح عبدالصبور في رائعته "مأساة الحلاج" -التي منعت من العرض لفترة بالمناسبة-وأختم مقالي بقول بن عربيّ "لن تبلغ من الدين شيئًا حتى توقر جميع الخلائق".

مشاركة :