تشير توقعاتنا إلى أنه لا يمكن للعوامل الأساسية أن تفسر موازين الحساب الجاري في عديد من اقتصادات المنطقة، وبعبارة أخرى، بعد مراعاة كل الأسس طويلة المدى، فإن موازين الحساب الجاري لهذه البلدان تظل سلبية من الناحية الإحصائية. المكون غير المفسر يتم حسابه باعتباره القيمة الباقية من التحديدات الأساسية التي وضعها كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي، التي تمثل الفرق بين ميزان الحساب الجاري الفعلي وبين ميزان الحساب الجاري المتوقع. ورغم ذلك، فالخبر السار أن تركيب حساب رأس المال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يبدو أقل عرضة "للتوقف المفاجئ" لتدفقات رأس المال، إذ إنه يتكون في جانب كبير منه من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والمساعدات الرسمية، وحافظة أصغر من تدفقات الاستثمار الأكثر استقرارا، مقارنة ببلدان من مجموعات الدخل المقابلة. وهكذا فإن تحليلنا الأولي يقضي بأن أزمات موازين المدفوعات التقليدية غير محتملة الحدوث في المنطقة في المدى القصير. وعلى الجانب الآخر، فهي تعتمد على تدفقات ثابتة من المساعدات الرسمية، التي قد لا تستمر على المدى الطويل نتيجة التكنولوجيا الهدامة في السوق العالمية للوقود الأحفوري. وبالتالي، فإن السؤال الرئيس المتعلق بالسياسات هو: ما الذي يمكن فعله حيال عجوزات الحساب الجاري التي لا يمكن الاستمرار في تحملها في اقتصادات المنطقة التي تظل ذات أهمية جغرافية واستراتيجية لمجموعة متنوعة من الأطراف العالمية والإقليمية الفاعلة؟ ويرى بعض المحللين، ومن بينهم محللو صندوق النقد الدولي، أن الإجابة تكمن في التقشف المالي، وأنه أمر عاجل. غير أن الشواهد تشير إلى أن العلاقة بين عجوزات المالية العامة وعجوزات الحساب الجاري خلال الـ20 عاما الماضية، أو نحو ذلك، كانت منخفضة أو سلبية في عديد من اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا . وفي حين فقدت سياسة المالية العامة بعضا من قوتها الدافعة، يصبح تنفيذ إصلاحات هيكلية قادرة على رفع نصيب العامل من إجمالي الناتج المحلي طريقا أطول أمدا للمضي فيه. ويناقش تقريرنا الإصلاحات في أوجه إنفاق المالية العامة، والسياسات المتعلقة بالتجارة، والحماية الاجتماعية وأسواق العمل، والمشاريع المملوكة للدولة في مجال صناعة الشبكات. ولا يمكن للعجوزات في الحساب الجاري والميزان التجاري في الاقتصادات الرئيسة في المنطقة أن تستمر إلى ما لا نهاية، وسرعان ما ستتضاءل قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على تمويلها. لقد حان بقوة وقت الإصلاحات الهيكلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
مشاركة :