وقفنا فى الحلقة السابقة من حكاية ابن الملك وأصحابه، عندما ذهب ابن الملك ليتكسب شيئا بالقضاء والقدر وجلس على باب المدينة ورآه البواب جالسا غير حزين على موت ملك المدينة وحبسه، وعند اجتماع أهل المدينة ليختاروا لهم ملكا تحدث البواب عن قصة الغلام الذى رآه جالسا على باب المدينة، فاستدعوه ليخبرهم بقصته، وقال: «أنا صهر ملك قروناد، توفى والدى فغلبنى أخى على الملك وأنا أكبر منه فهربت منه حذرًا على نفسى حتى انتهيت إليكم».فلما سمعوا ذلك منه لم يتحققوا صدق كلامه حتى عرفه بعض من كان منهم يغشى بلاد أبيه فأثنوا عليه وملّكوه عليهم وقلّدوه أمر بلدهم، وكانت سنتهم الطواف لمن ولّوه عليهم فحملوه على فيل وأجالوا به.فلما مرّ بباب المدينة بصر بما كتب عليه أصحابه فأمر أن يكتب: «الاجتهاد والعقل والعمل وما أصاب الإنسان من خير أو شرّ يجرى بقضاء الله وحكمه، أعتبر ذلك بما ساق إليّ من الخير والسعادة بفضله».ثم إن الملك أتى مجلسه فقعد على سريره وأرسل إلى أصحابه فأتوه فموّلهم وأغناهمثم جمع عمّاله وأهل الفضل وذوى الرأى من أهل مملكته فقال: أما أصحابى فقد استيقنوا أن الذى رزقهم الله من الخير إنما كان بما أتوه بفضل عقلهم وجمالهم ونشاطهم، وأما أنا فإن الذى منحنى الله وهيّأه لى لم يكن من الجمال ولا العقل ولا الاجتهاد وإنما كان بحكمه تعالى وقضائه. وما كنت أرجو إذ طردنى أخى وجفانى أن أصيب هذه المنزلة ولا أكون بها لأنى قد رأيت من أهل هذه الأرض من هو أفضل منى جمالا وحسنا وعلمت أن فيها من هو أكمل منى رأيا وأشد منى اجتهادا، فساقنى الله وقضاؤه إلى أن اغتربت فملكت أمرا قد علمه الله وقدّره وقد كنت راضيا أن أعيش بحال خشونة وشظف معيشة.
مشاركة :