في استطلاع أعدته «أخبار الخليج»: 53% يؤكدون انخفاض إنتاجية الموظفين والعاملين خلال شهر رمضان

  • 6/2/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الدكتور أكبر جعفري: التسامح غير المبرر هو السبب.. بدليل أن الإنتاج لا يقل في المؤسسات التي لا تسمح بذلك أشار 53% من قراء «أخبار الخليج» الى انهم لمسوا انخفاضا في إنتاجية العاملين والموظفين في مختلف المؤسسات ومواقع العمل خلال شهر رمضان المبارك. وأرجع المشاركون في الاستطلاع الذي أعدته «أخبار الخليج» السبب الى العادات التي تنتشر في شهر رمضان، والى الصيام الذي يشعر الفرد بالتعب. شارك في الاستطلاع 459 قارئا. أكد 245 منهم أن انخفاض الإنتاجية كان أمرا ملموسا خلال شهر رمضان. فيما أشار 47% (214 مشاركا) الى ان انخفاض الإنتاج لم يكن بالأمر الجلي. وهذا ما يثير تساؤلا مهما: هل السبب في انخفاض الإنتاجية هو الصيام فعلا أم سوء استغلال شهر الصيام؟ هذه النتائج عرضناها على خبير الإنتاجية الرئيس التنفيذي لشركة جفكون لتحسين الإنتاجية الدكتور أكبر جعفري، مستوضحين عما إذا كان مثل هذا الانخفاض أمرا طبيعيا في شهر الصيام.. ام ان الامر مجرد ثقافة سائدة تجانب المفترض. يجيبنا الدكتور جعفري: بداية يجب أن نفرق بين مواقع العمل. فهناك مواقع عمل غير قابلة لتغير الإنتاجية بسبب الظروف او المواسم او اي أسباب أخرى، من ذلك خطوط الإنتاج التي تتطلب حجم انتاج ثابتا لا يتأثر بالظروف وإلا ترتب على الامر عواقب وخيمة. فمثلا لا يمكن القول إن الإنتاجية تقل في شركة البا، او مصفاة النفط، او البتروكيماويات وكذلك المطار وأقسام الاستقبال والاستعلامات في المؤسسات المختلفة وغيرها. فالإنتاج يجب ان يكون مستمرا في هذه المواقع بنفس الوتيرة بغضّ النظر عما إذا كان العاملون صائمين أو لا. ولكن -يستدرك خبير الإنتاجية- هذا لا يعني ان تدني الإنتاجية أمر مبرر في مواقع العمل الأخرى. فانخفاض الإنتاجية في مواسم معينة يحدث عندما نتيح نحن المجال لذلك! فمثلا يكون الشخص مسؤولا عن اعداد تقارير في دائرة حسابات. وبسبب الصيام او اي ظروف أخرى يؤجل عمله او يقلل الفترات الزمنية التي يقضيها في إعداد المهام، وبالتالي تقل الإنتاجية وربما جودة العمل. هنا لا يجب ان نلوم شهر رمضان لأن من سمح بذلك هو الموظف نفسه والإدارة.. بدليل ان مواقع العمل الأخرى التي أشرت اليها لا تشهد مثل هذا التماهل لسبب بسيط هو انه لم يسمح بذلك من قبل الإدارة، ولم يعتد ذلك العاملون. إذن هو التسامح غير المبرر من قبل الأشخاص والإدارات. نحن من خلق المشكلة! ‭}‬ هل هو عامل نفسي فقط أم انه شعور حقيقي بحيث يشعر الموظف او العامل بالخمول نتيجة الصيام؟ ‭{{‬ بغضّ النظر عن الصيام وغيره، بشكل عام إذا أتحت مساحة من التماهل والتراخي فسيتم استغلالها. وإذا سمحنا بتدني الإنتاجية تحت أي ظرف، فمن الطبيعي ان نتوقع نتائج سلبية وأداء أضعف. فالأمر يعتمد على الثقافة في العمل وعلى نمط الإدارة في المؤسسات المختلفة. ومن هنا قد تجد انخفاضا في مستوى الإنتاجية، وبطئا في وتيرة العمل في ظل إدارة متراخية، ولكن قد لا تجد مثل هذا التراجع في الإنتاج في نفس موقع العمل ولكن تحت إدارة أكثر حزما. فالأمر في النهاية يكون بقرار شخصي أو نمط اداري. بعد هذه المقدمة أقول: شهر رمضان ظاهرة روحية دينية اجتماعية ووطنية أيضا. ولكن هناك جوانب يجب إعادة النظر فيها وتصحيحها، منها بعض السلوكيات التي تؤدي الى الانهاك الجسدي كقلة النوم والسهر وعدم الانضباط في الأكل. وكلها عوامل لا تتعلق بالصيام بحدّ ذاته. فمثلا أتذكر في السابق.. لم تكن ظاهرة السهر موجودة، وكانت الحياة أكثر انضباطا في شهر رمضان وأكثر صحة رغم ان الظروف كانت أصعب والأعمال أشقّ. وحتى الأسواق كانت تفتح ساعتين إضافيتين فقط ليلة العيد، الأمر الذي كان يعتبر مبهجا ومفرحا. ولكن التمادي في مثل هذه البهجة والتمادي في السلوكيات ينعكس الى مصدر ضرر. وبالتالي أقول: نحن من خلقنا هذه المشكلة ونحن من تسببنا في هذا الخمول الذي أشرت اليه. كيف نتوقع إنتاجية مرتفعة لموظف يطيل السهر وفي نفس الوقت لديه نفس الالتزامات والمهام التي يقوم بها نهارا؟! أي هناك استهلاك للوقت في الليل مع عدم تعويضه في النهار. وهنا أعود الى ما بدأت به، لو بحثت في مواقع العمل التي لا تسمح بتدني الإنتاجية، فستجد ان اغلب العاملين فيها لا يغيرون سلوكياتهم او أنماط حياتهم بشكل كبير خلال شهر رمضان، وهذا ما يساعدهم على الحفاظ على وتيرة الإنتاج. فبشكل عام، مدة 24 ساعة هي كافية للقيام بكل المتطلبات الاجتماعية والعملية والبيولوجية. والمعيار هنا هو تنظيم هذه المدد. التوازن هو الحل ‭}‬ هل يعني ذلك ان تكون الإدارات أكثر حزما في شهر رمضان، مع تجاهل ما يصاحب الشهر من تلك العادات الاجتماعية وحتى الروحية؟ ‭{{‬ سؤال وجيه، والجواب باختصار: أبدا.. فحتى القسوة وعدم التفهم او اللامبالاة بظروف الموظفين له نتائجه السلبية. وهنا يكمن دور الإدارة الواعية في تحقيق التوازن بين متطلبات الإنتاج وظروف الموظفين والمواسم المختلفة. فعلينا النظر الى الأمر بشمولية أكبر. الإنتاج ليس الهدف الوحيد في العملية الاقتصادية. نعم.. تدني الإنتاجية أمر مرفوض وغير مقبول، ولكن لا يعني ذلك ان همنا الأوحد او الأكبر يكون هو الإنتاج. وكما قال سيدنا عيسى عليه السلام «ليس بالخبز وحده يحيا الانسان». فهناك اعتبارات روحية واجتماعية ونفسية ترتبط بشهر رمضان يجب أيضا ان تؤخذ بالاعتبار. والأمر كله يجب ان يؤخذ كحزمة متكاملة تشمل الانتاج والاقتصاد وكذلك تلك المتطلبات والاعتبارات التي أشرت اليها. وهنا تكمن الإشكالية وتتعاظم عندما نفتقد ذلك التوازن بين الحفاظ على الإنتاجية وبين مراعاة تلك الظروف. هل تعلم مثلا ان 75% من سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر؟! وان نصف المال في العالم (50%) موجود لدى 1% من سكان العالم، مع وجود فساد وسوء توزيع للثروات؟! كل ذلك بسبب التركيز على الانتاج والنمو الاقتصادي مع تجاهل الاعتبارات الأخرى التي لا تقل أهمية. وهنا فإن التوازن والتكيف والتفاهم هي المطلوب. بعض الدول كالمملكة العربية السعودية مثلا تغير وقت الدوام الى الساعة العاشرة صباحا، وبعض الدول في التاسعة. وهناك دول تطبق نظام الدوام المرن. كأن يسمح للموظف في مواقع العمل التي تسمح بمساحة من التكيف، ان يبدأ دوامه متأخرا ساعة او ساعتين متأخرتين شريطة ان ينجز كل ما عليه من مهام وبنفس الجودة، ويعوض هاتين الساعتين في نهاية الدوام. وهذا كما أسلفت يرتبط بطبيعة العمل، فلا يمكن ان يطبق ذلك في المواقع الخدمية أو خطوط الإنتاج. بشكل عام.. الحياة في حالة تغير متسارع، وعلينا التكيف وليس المعارضة او التجاهل لهذا التغير. وكما يقول جلال الدين الرومي «بين الخطأ والصواب هناك مساحة أريد ان ألتقي بك فيها». وهذه المساحة هي ما أقصده هنا بالتوازن المطلوب. النوم والأكل ‭}‬ من واقع خبرتك الطويلة.. إلى أي مدى يؤثر تغير النمط الغذائي على إنتاجية العامل؟ ‭{{‬ هناك عاملان أساسيان يرتبطان بالإنتاج هما النوم والاكل. فيما يتعلق بالنوم، نجد ان البشرية كلها متجهة الى تقليل فترات النوم. ففي عام 1942 كان معدل النوم 7.9 ساعات يوميا. والان وصل الى 6.5 ساعات في اليوم. ولهذا آثار خطيرة كما تؤكد الدراسات. فأحدث الدراسات الامريكية أكدت ان تغيير التوقيت الصيفي والشتوي في ابريل وسبتمبر يؤدي الى ارتفاع نسبة السكتة القلبية بنسبة 24% عند الانتقال الى التوقيت الصيفي. وتنخفض النسبة بمقدار 21% عند العودة الى التوقيت الشتوي. والاختلال في مواقيت وفترات النوم هو أحد العوامل المؤثرة في ذلك، الى جانب الاكتئاب والحوادث ومحاولات الانتحار. لذلك من المفيد جدا اجراء دراسة متخصصة في البحرين لهذه الظواهر في رمضان وتأثرها بسبب المواسم المختلفة. والجانب الاخر هو الاكل، وينطبق عليه نفس الامر. فالمعدة هي العقل الثاني والمؤثر الثاني في الجسم. وهي مرتبطة بالعقل الذي يتحكم بالنشاط.. وبالتالي هي دائرة متكاملة. ولأن نظام أكلنا -وخاصة في شهر رمضان- لا يتماشى مع تعاليم الصوم او النصائح الطبية، فمن الطبيعي ان يكون التأثير كبيرا وسلبيا. وما يؤكد ذلك هو ما نشهده من أمراض واضطرابات بالجهاز الهضمي الذي يؤثر على أداء المخ، وينعكس تبعا على النشاط، والنشاط يؤثر على الإنتاجية. فهي منظومة متكاملة لا يمكن العبث بها. واي خلل فيها من الطبيعي ان يؤثر على الإنتاجية. ومن هنا أعتقد اننا لا نحتاج الى تغيير جذري في عاداتنا وتقاليدنا بقدر ما نحتاج الى وعي أكبر بهذه الجوانب وخاصة فيما يتعلق بالسهر الزائد والاكل المبالغ فيه. وبصراحة، أتوقع ان يكون الجيل القادم أكثر وعيا وقدرة على تحقيق التوازن المطلوب.

مشاركة :