52% من المواطنين يفضلون المشاريع الخاصة على الوظيفة الثابتة! الدكتور أكبر جعفري: النتائج تؤكد أننا نسير في الطريق الصحيح تاريخيا.. التوظيف عبودية.. والوظيفة ليست خيار الأذكياء كشفت استبانة أعدتها أخبار الخليج تغير توجهات الشباب بشكل ملفت إزاء مهنة المستقبل والمفاضلة بين الالتحاق بوظيفة ذات دخل ثابت وبين فتح مشروع تجاري مستقل. وبحسب نتائج الاستبانة التي تسأل عن (هل تفضل ان تكون موظفا في مؤسسة أو إدارة ولديك مرتب ثابت، أم صاحب مشروع تجاري مستقل؟)، فإن 52% من المشاركين باتوا يفضلون المشروع التجاري رغم ما قد يحمله من مغامرة. شارك في الاستبانة (1050) من قراء أخبار الخليج على الموقع الإلكتروني للصحيفة ومواقع التواصل الاجتماعي (الانستغرام وتويتر)، وفي حين فضل 501 مشارك (48% من المشاركين) الحصول على وظيفة مستقرة ذات دخل محدد وثابت، رأى 549 مشاركا (52%) أنهم يفضلون البدء بمشروع خاص. وفي حين علق بعض القراء بأنهم يفضلون الدخل الثابت والمستقر بدلا مما اعتبروه مغامرة المشاريع الناشئة، رأى من يميلون إلى الخيار الاخر ان المشاريع المستقلة البعيدة عن روتين العمل اليومي أو انتظار المرتب الشهري أفضل وتحمل فرصا أكبر للتطور. وعلق البعض بأن المشاريع باتت تعتبر خيارا أفضل إذا ما حظيت بدعم أكبر وخاصة فيما يتعلق بالرسوم العديدة والمتكررة، حيث تمثل هذه الرسوم عبئا ثقيلا على أصحاب المشاريع مثل رسوم السجلات التجارية والعمال وغيرها. الجذور التاريخية نتائج هذا الاستطلاع عرضناها على خبير الإنتاجية، الرئيس التنفيذي لشركة جفكون لتحسين الإنتاجية الدكتور أكبر جعفري للوقوف على أهم الدلالات المتعلقة بالتحول في هذه التوجهات. في الواقع -يقول الدكتور جعفري- أعتقد أنها نتائج تبعث على الامل وتشير إلى أننا نسير بالطريق الصحيح، لأننا منذ أكثر من عقدين ونحن نسعى لأن يكون العمل الخاص هو الخيار الأول للمواطنين وخاصة الشباب لما له من انعكاسات وفوائد إيجابية جمة أولها ان المواطن سيكون هو وسيلة لخلق الوظائف بدلا من ان يسكن الوظائف، وبالتالي يعطي بدلا من ان يأخذ. فمثلا، المشاريع المتناهية الصغر تخلق في المتوسط سبع فرص عمل إضافية في السوق، وفي نفس الوقت، فإن المردود الذي يحصل عليه رواد مثل هذه المشاريع يكون أعلى بنسبة أربع مرات مقارنة بالمرتب العادي. ويعود خبير الإنتاجية هنا إلى الجذور التاريخية لما يمكن وصفه بالتنافس بين الوظيفة الثابتة والمشاريع الخاصة، مشيرًا إلى انه في القرن الماضي كان التوجه الغالب هو البحث عن وظيفة ثابتة، وحوالي 90% من المواطنين كانوا يفضلون العمل في شركة النفط أو المؤسسات الحكومة، فيما كان عدد الشركات التجارية الكبيرة محدودا. قتل للإبداع سؤال مهم طرحه محدثنا، وفي ذلك يعلق: السبب الرئيسي كان هو الضمان الوظيفي. فشركة النفط مثلا كانت تدفع رواتب بأسلوب راق ومريح ومضمون، والموظف في شركة النفط كان يحظى بمكانة اجتماعية خاصة، تليها الوظائف في المؤسسات الحكومية، وبعدها الشركات الأجنبية والخدمية مثل شركات الطيران والسفن وغيرها. علما بأنه تم الابتعاد عن بعض الشركات بسبب قضايا عقائدية آنذاك مثل بيع الخمور أو لحوم الخنزير. وبشكل عام، كانت الوظائف سواء في هذه الشركات أو الوزارات مستقرة ومريحة. ولكن الإشكالية هنا اننا وجدنا ان الاستقرار الوظيفي يقتل الابداع والريادة وروح المغامرة، بل ويخلق نوعا من التردد والضعف الإبداعي. وللأسف كان هذا هو النمط السائد آنذاك. لذلك، وفي تسعينيات القرن الماضي، بدأ الوضع يتغير، وبدأ الحديث بجدية عن موضوع الريادة، وأتذكر اننا أجرينا مسحا شاملا آنذاك حول التوجهات، وكان التوجه العام وبشكل كبير هو للتوظيف. وكانت أول مقالة نشرتها حول هذا الموضوع في «أخبار الخليج» حول موضوع الريادة، وهذا المفهوم كان غريبا نوعا منا! ولعل السؤال الأبرز هو لماذا كان المواطن يفضل الوظائف الثابتة؟ وفي ذلك الوقت – يتتابع الحديث للدكتور أكبر جعفري- أطلقت وزارة الصناعة مشروعا لتنمية الريادة، وكنت شخصيا من ضمن الفريق، وكان الهدف هو تحفيز البحريني على البدء بالمشاريع الخاصة. وتم التركيز على (100) مشروع، لكن للأسف لم يصل منها إلى مرحلة التنفيذ سوى مشروعين اثنين فقط، وهي بشكل عام نسبة اعتيادية في بداية أي مشروع. ولكن عندما ننظر اليوم إلى هذا الجانب، نرى ان النموذج بات شبه مكتمل ويحتوي على الكثير من العناصر التي تقود إلى إنجاح المشاريع الريادية وخاصة مع برامج «تمكين» التي تعتبر الفاعل الأكبر في هذا الجانب إلى جانب المؤسسات والهيئات الداعمة الأخرى مثل وزارة التجارة وغيرها. ومن هنا أعتقد أن النسبة التي أشار اليها استطلاع أخبار الخليج تبشر بالخير فعلا وتعكس نجاح تلك الجهود التي تبذلها المؤسسات المعنية وخاصة فيما يتعلق بالتوعية والدعم، ونأمل ان ترتفع النسبة مستقبلا إلى أكثر من 80%. فبشكل عام، المؤشرات تشير إلى اننا نتوجه إلى المهم، والبحرين مهيأة لأن تكون نموذجا لريادة المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، ولكن ليس بالنموذج التقليدي المتمثل بفتح محلات للبيع، وإنما بأفكار ذكية تعتمد على التكنولوجيا والشبكات المترابطة. المبدع لا يحب القيود سرد تاريخي مهم طرحه الرئيس التنفيذي لـ«جفكون». ولكن ماذا عن واقع اليوم؟ يقول الدكتور جعفري: فيما يتعلق بالتوظيف، هناك حاجة إلى ان يتغير عن النمط التقليدي، فالنموذج الحالي هو اتفاقية ثابتة ومعدة من قبل طرف واحد وهو المؤسسة، والموظف ليس لديه خيار في العقد المبرم. في حين انه يجب أن يكون هناك تكافؤ في الشروط، وقد بدأت بوادر ذلك فعلا في البحرين وخاصة عند المحترفين، حيث يتم الاتفاق مع الشخص ليس كموظف وإنما كمقدم خدمة مقابل مال. فالمحترف يعتبر مبدعا، والمبدع لا يحب القيود أو اللوائح أو الروتين لأنها تحد من إبداعه. ومن هنا من الضرورة بمكان في مواقع العمل ان نركز على الإبداع والتميز في الإنتاجية بدل الاعتماد على الحضور والانصراف. فالمؤسسات الذكية يجب أن تتخلص من عقلية المحاسبة على الحضور والانصراف والبصمة والكاميرات وغيرها من الأمور التي تعيق الأداء والإنتاجية وخاصة لفئة المبدعين الذين كما اشرت لا يمكنهم الابداع ضمن القيود. وهنا يجب التذكير بأن الضمان المعيشي البيئي متوافر في البحرين فعلا، فمثلا لا يوجد لدينا مشرد أو من يعاني من الجوع أو من لا يستطيع الدراسة أو العلاج بسبب الفقر. وهذا يوفر نوعا من الشعور بالأمان الذي يساهم ويسهل عملية المساهمة في التأثير على توجهات المجتمع بما فيها التوجه إلى المشاريع الخاصة وريادة الاعمال. ويجب الوعي هنا بأن المشاريع المتناهية الصغر تحتاج إلى سنة ونصف على الأقل كي تتضح الرؤية بشأنها، فيما تتطلب المشاريع الصغيرة ثلاث سنوات والمتوسطة خمس سنوات. وتحتاج المشاريع الكبيرة إلى ما لا يقل عن 7-10 سنوات، وبعدها يبدأ المشروع بطرح الثمار لعدة أجيال. والمردود يكون كما اشرت اضعاف ما قد يحصل عليه الشخص من الوظيفة. أضف إلى ما سبق، ان إدراك الذات في ريادة الاعمال يكون مختلفا، فالشخص يكون أكثر استمتاعا في الحياة، أكثر قابلية للإبداع، بل ان النظرة إلى الضمان الوظيفي تكون نظرة متعالية. ومن خلال خبرتي التي تزيد عن 27 عاما في هذا المجال يمكنني التأكيد ان المشاكل التي من الممكن مواجهتها في المشاريع الخاصة اقل بكثير منها في التوظيف. وحتى التحديات فيها مزيج من الألم والاستمتاع، لذلك ما نحتاجه هو تغيير العقلية النمطية والقلق من (هل هناك ضمان لنجاح المشروع؟ هل سأحصل على الدعم؟). أسد من ورق! يواصل الدكتور أكبر طرحه: في محاضرة بجامعة البحرين حضرها حوالي 400 طالب، سألتهم: من منكم غير ذكي؟ بالطبع لم يجب أحد. فأجبت: بعد النظر عن البيئة وظروف أي عمل، فإن الوظيفة ليست خيارا للأذكياء! وكانت صدمة لهم. لكن بعد سنوات عندما اقابل البعض منهم كانوا يؤكدون لي صحة ذلك. { ولكن هل يعني ذلك ان يتجه الجميع إلى المشاريع الخاصة؟ { ولم لا؟ فالأصل في العمل هو المشاريع، ومسألة التوظيف هي دخيلة عليه. بل ان التاريخ لم يذكر لنا مؤسسات أو شركات ووظائف حتى عام 1602 عندما تأسست أول شركة في التاريخ وهي الشركة الهولندية الهندية الشرقية المتحدة. وقبل ذلك كانت هناك مشاريع عائلية. فالإنسان بطبعه ريادي، ولكن البيئة والثقافة المحيطة اقنعته بفكرة التوظيف التي هي أساسا كانت عبودية من قبل الاقطاعيين. ورغم تغير الفكرة الا ان أصلها نفسه، لذلك نجد أن حجم الحكومة في الكثير من الدول مثل السويد واليابان يكون محدودا جدا، وأغلب المشاريع والخدمات يقدمها القطاع الخاص. وفي هونج كونج والصين لا تجد من يفكر في وظيفة وإنما بمشروع مبتكر. في حين عندما ننظر إلى دولنا نجد ان 75% مما تقوم به الحكومة في الواقع هو ليس دورها الذي يجب أن يكون اشرافيا تنظيميا وتحفيزيا إلى جانب الامن والعلاقات الخارجية والعدالة. فالحكومات في دولنا ونتيجة لغياب دور القطاع الخاص اضطرت إلى القيام بهذه المسؤوليات. ولكن في البحرين لدينا توجه قوي لإصلاح هذه المعادلة. { عندما نتحدث عن ضرورة التوجه إلى ريادة الاعمال، هل من الممكن القول ان مثل هذه المشاريع تكون أفضل في فئة عمرية دون أخرى؟ { كثير ممن أبدع في مشاريع كان في وقت متأخر من حياتهم. انظر إلى كنتاكي مثلا، بدأ صاحبه مشروعه بعمر الستين، في حين ان صاحب مشروع (جوجل) بدأ في عمر 32، نعم قد يكون الشباب أكثر اندفاعا وحافزية ولكن بشكل عام يتطلب الامر ثقافة وبيئة محافظة مع التخلص من الخوف والقلق الذي هو امر غير حقيقي في المشاريع أو ما يمكن وصفه بالأسد الورقي. فكل منا امامه خياران: التحدي والابداع، أو الخنوع والخوف من أمور لا واقع لها. فما نحتاجه في هذه المرحلة هو مواصلة جهود التوعية وتعزيز البرامج الموجودة لأن المؤشرات تدل على اننا نسير في الطريق الصحيح وبسرعة مناسبة. { كيف نقنع الناس بالمشاريع في ظل معاناة العالم من مشاكل وأزمات اقتصادية. { باختصار -يجيب الدكتور جعفري- أكثر المشاريع الناجحة بدأت في الازمات وليس الرخاء. فالضغوطات هي مصدر الابداع. والبيئة المرفهة لا تدعو إلى الإبداع بقدر البيئة المؤلمة والحرجة.
مشاركة :