في استطلاع أعدته «أخبار الخليج»: 68% من الأفراد لا يمتلكون مخططات مستقبلية لتطوير أوضاعهم المالية

  • 3/17/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أظهر استطلاع للرأي أعدته «أخبار الخليج» أن 68% من المواطنين والمقيمين لا يمتلكون مخططا او برنامجا واضحا لتطوير أوضاعهم المالية مستقبلا. وفي الوقت الذي أكد فيه بعض قراء «أخبار الخليج» أن تطوير مداخيلهم المالية وأوضاعهم الاقتصادية مستقبلا يعد أمرا أساسيا بالنسبة إليهم، أشار آخرون إلى أن الأعباء المالية والالتزامات الكثيرة تجعلهم «أبعد ما يكون عن التفكير في مثل هذا الأمر»!. وعلق أحد القراء «بعد أن أديت جميع قروضي للبنوك ولله الحمد، استطعت أن أحصل على الحرية المالية التي تساعدني في التخطيط والإدارة المالية». في حين قال آخر «نعم.. أخطط للسفر من أجل تطوير وضعي المالي». شارك في الاستطلاع الذي أعدته «أخبار الخليج» على موقعها الإلكتروني وحسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالصحيفة، شارك 906 أشخاص. وكان السؤال: «هل لديك مخططات مستقبلية واضحة لتطوير وضعك المالي؟». وأجاب 295 قارئا (32%) بتأكيد وجود مثل هذا المخطط. فيما قال 616 قارئا (68%) إنهم لا يمتلكون أي مخطط لتطوير أوضاعهم المالية مستقبلا. المراحل العمرية نتائج هذا الاستطلاع عرضناها على خبير الإنتاجية، الاقتصادي الدكتور أكبر جعفري لنستفهم إذا ما كانت هذه النسبة تمثل إشكالية حقيقية، أم انها أمر طبيعي في المجتمع. يعلق الدكتور أكبر: أولا يجب أن ننظر هل لدى هؤلاء الافراد مشاكل مالية أم لا. وفي رأيي، من الحكمة أن نعتبر أن لديهم مشاكل مالية وضائقة مالية، ورغم ذلك أقول إنها ضائقة غير مبررة. ويستطرد الدكتور أكبر ليشرح هذه المقدمة: عندما ننظر الى الوضع المالي للأفراد تبعا للمراحل العمرية، نجد أنه في بداية الحياة، وتحديدا بعد التخرج والبدء بالعمل، تكون المستلزمات في اعلى مستوياتها مثل تكوين أسرة وإيجاد بيت وشراء سيارة وملابس ورفاهية وغيرها، فتكون الاحتياجات في قمتها، وبالمقابل يكون الدخل في حده الأدنى بسبب نقص الخبرة بشكل أساسي. وبالتالي تكون هذه المرحلة شائكة وبنفس الوقت حساسة وتحدد الى حد كبير مستقبل الفرد. وبعد سن 35 يفترض ان يشعر الانسان بأن الضغوط بدأت تخف عليه تدريجيا، ومع الوصول الى سن الأربعين، يفترض ان يشعر الفرد بنوع من التوازن، ومع سن 45 يحدث العكس، أي ان الدخل يفترض ان يكون أكثر من الاحتياجات. ومع التقاعد يكون الوضع أفضل، بل عكس مرحلة بداية الحياة العملية. وهنا –يستطرد خبير الإنتاجية– وكما اشرت تعتبر المرحلة الأولى خاصة في عمر 20-35 سنة مرحلة حساسة وحرجة، وتعتمد عليها المراحل اللاحقة إلى حد كبير. فكلما كان الفرد أكثر واقعية وعقلانية وتروي في هذه المرحلة انعكس ذلك إيجابا على المراحل اللاحقة. ولكن المشكلة، وما يزيد الطين بلة هو حجم التوقعات والاحتياجات العالية في هذه المرحلة لدى اغلب الافراد، وهي في الواقع توقعات نفسية أكثر من كونها واقعية. فمثلا نجد الكثير من الافراد وبمجرد الحصول على وظيفة يبدأ بالبحث عن سيارة فارهة أكبر من احتياجاته، منزل مؤثث بشكل أكثر مما يريد، ملابس أغلى مما يحتاج فعلا. يسافر الى مناطق غالية وبعيدة، وكل ذلك يستنزف ميزانيته بالكامل، ويرفع من سقف التوقعات وينجرف الفرد بعد ذلك نحو القروض. في حين ان المفترض في هذه المرحلة هو أن يكون التركيز على تطوير مستوى الدخل واكتساب الخبرة وامتلاك مطالب متواضعة، لأن عكس ذلك يعني القفز على المراحل العمرية. فبدل السيادة الكبيرة من الممكن أن يكتفي مؤقتا بسيارة متوسطة، وبدل المنزل المجهز بالأثاث والأجهزة الغالية، من الممكن في هذه المرحلة على الأقل ان يكتفي بشقة متواضعة، ويكون التركيز على وضع خطة لتطوير الذات وتطوير الأداء ومن ثم تطوير المدخول بحث يرتاح الفرد أكثر وأكثر كلما تقدم به العمر وزادت خبرته. لأنه كلما ركز الفرد في هذه المرحلة على تخطيط سليم لمستقبلهن وكلما كانت احتياجاته وتوقعاته أكثر عقلانية وواقعية وأكثر تواضعا انعكس ذلك إيجابيا على المراحل اللاحقة في حياته. والعكس صحيح. حيث تستمر مثل هذه الاحتياجات المبالغة ويستمر اعتماده على القروض وعلى استنزاف ميزانيته مهما تقدم بالمراحل ومهما تطور مدخوله. علما بأن هذه ليست مشكلة فئة او منطقة دون أخرى. ففي منطقة الخليج وبسبب النعم التي منّ الله علينا بها أصبح 85% مما نستهلكه ونشتريه هو كماليات نستطيع العيش من دونها. وبسبب الارتباط القوي بهذه الكماليات تحولت لا وعيا الى احتياجات أساسية. وهنا المشكلة. لا نريد من الناس ان يحرموا أنفسهم ولكن يجب ألا يكون ذلك على حساب جودة الحياة في المراحل المستقبلية. وهناك دور سلبي في هذا الجانب تلعبه بعض الجهات مثل البنوك وشركات التمويل التي تحرص على القروض والرفاهية الزائفة وتسهل وقوع الافراد في شرك القروض والديون. ويصل الأمر عند البعض الى بيع ما اشتروه من اجل تسديد القروض! لذلك أفضل وسيلة لتجنب المشاكل هو عدم خلق المشاكل. والرفاهية الزائفة التي يعيشها الكثيرون هي فلسفة حمقاء يجب تجنبها. ثقب أسود بداية مهمة انطلق منها محدثنا الدكتور أكبر جعفري في طرحه، ولكنها تثير الكثير من التساؤلات أيضا. فقد يكون ما استعرضه هو الصورة المثالية لموظف يحصل على مرتب ثابت ومقبول، ماذا عن ذوي الدخول المحدودة في المراحل الأولى؟ يجيبنا الدكتور جعفري: أولا، في الوضع الطبيعي لا اظن ان أي فرد في البحرين يصل الى مرحلة ازمة مالية إلا ويكون هو سبب فيها مثل عدم وجود مخطط مستقبلي عقلاني. والامر المهم هنا هو ان البحرين تتميز بوجود خيارات وبدائل. فللأسف تجد ان حتى ذوي الدخل المحدود وفي بداية حياته العملية يحاول كما أشرت أن يعيش أكثر من واقعه، ويرتدي ملابس أكبر من طاقته المادية. في حين أن أمامه خيارات للشراء من محل بسيط أو مجمعات راقية وبأسعار مبالغة وماركات باهظة. وللأسف الخيار الأخير هو الذي يتخذه الكثير من الشباب، وهو ما يسمونه بتشبع (الإيكو)، وهو كالثقب الأسود يبتلع ولا يشبع. والواقع ان البضائع الغالية والماركات لن تجلب السعادة بل هي شعور مؤقت ينتهي بسرعة. ‭{‬ اسمح لي أن أكون أكثر واقعية.. كيف يمكننا ان نتحدث عن التخطيط والتوفير مع شخص يمتلك دخلا بالكاد يكفي قوته وقوت اسرته المتواضعة؟! ‭}‬ أولا.. نحن نتحدث عن الأوضاع الطبيعية. نعم هناك حالات استثنائية موجودة فعلا كالإعاقات ومن تعرضوا لحوادث او أمراض أو وفاة العائل وغيرها من الأسباب التي تؤدي الى أزمات مالية تعوق حتى التفكير في التخطيط للمستقبل. فهذه حالات لا يمكن ان ننكر وجودها وهي فعلا تحتاج إلى دعم ومساندة. ولكنني أؤكد انه في الأوضاع الطبيعية، حتى ذوو الدخل المحدود هم قادرون على وضع مخططات مستقبلية لتحسين أوضاعهم المادية. فمن الصعب ان يبقى الفرد من دون مخطط واضح لحياته ومستقبله. ويكفي في المراحل العمرية المبكرة ان يركز الفرد على اكمال دراسته واكتساب مهارات مفيدة وتطوير ادائه. وهذه بحد ذاتها مخططات أولية تساعده في مراحل حياته اللاحقة. فدائما تكون نقطة البداية والانطلاقة هي الأصعب وهي التي يعاني فيها الفرد من ضائقات وتدني دخله. ومن خلال التجربة، فإن الشخص الذي لا ينساق وراء رغباته المادية، ويضع له مخططا واضحا للتطوير، فإنه يكون أقدر على تحدي هذا الوضع وتجاوز الفقر ويصل الى طموحاته. فالمسألة الجوهرية هنا هي ان الطريق ليس مفروشا بالورود، والطريق الأسهل غالبا ما لا يوصل الى النتائج المرجوة، في حين ان الطريق الأصعب هو ما يوصل الى النجاحات، وهذا ليس كلاما إنشائيا او نظريا. أنظر الى المبدعين في الحياة، تجد ان نجاحاتهم كانت نتيجة ضائقات مروا بها وتحديات وضغوط واجهوها ولدت لديهم طاقات ثم وعيا فإنتاجا. وهذا ما يجب ان يعيه شبابنا، وهو ان الضائقات المالية لا تعني نهاية الامل، بل ان الرفاهية في غير وقتها هو ما يوصل الى الانزلاق. ‭{‬ وما الأثر السلبي الذي يترتب على الفرد عندما لا يمتلك مخططا واضحا لتطوير ذاته ومدخوله؟ ‭}‬ باختصار – يجيب الدكتور أكبر– يقع الفرد في وضع الاستهلاك أكثر من الدخل، وبالتالي ينعكس ذلك على ادائه وإنتاجيته ويدخله في ازمة نفسية ويؤثر تبعا على جودة الحياة بشكل عام لأنه يعيش في دوامة وقلق واضطراب ليس في حياته العملية فقط، وانما حتى الاجتماعية والصحية وغيرها. بل قد يصل الامر الى الانعكاس على سلوك الافراد ويصل الى العدوانية والاعتداء. خطوات التخطيط ‭{‬ وما أبسط أشكال التخطيط.. خاصة في المراحل المبكرة؟ ‭}‬ لعل أبسط أشكال التخطيط في هذه المراحل هو الموازنة بين المصروفات والدخل، والبعد عن الكماليات والرفاهية الزائفة. نعم هي موازنة صعبة جدا لأن الانسان لديه رغبات واحتياجات، ولكن الوعي والذكاء هنا هو ما يخلق التوازن المنشود. ومتى ما تحقق هذا التوازن يسهل بعدها وضع المخطط المناسب. وهنا تمر العملية بعدة خطوات ومراحل أولها الطموح، فإذا ما سألت الناجحين في الحياة فستجد ان اول خطوة في نجاحهم كانت عدم الرضا بالوضع الراهن والطموح لتطويره. فعدم الرضا هذا هو محفز قوي. ولكن عندما ننظر الى نتائج الاستطلاع الذي تتحدث عنه، فإننا ننظر الى إشكالية حقيقية. فهذا الخنوع والرضا بالواقع والتسليم له يمنع التطور. علما بأن عدم الرضا هذا لا نقصد به التذمر او الاكتئاب او الاستسلام وانما الرغبة في التغيير الى الأفضل. ثم تأتي الخطوة الثانية وهي الرؤية الواضحة. فلا يكفي مثلا ان أقول انني اخطط لأن يصل مدخولي الشهري خلال السنوات القادمة الى الضعف، واضع نقطة في نهاية السطر! فالسؤال المهم هو كيف سيتحقق لك ذلك؟ وهذه هي الرؤية. وبعد الخطوة الثالثة وهي بذل الجهد قدر الإمكان. فوجود الطموح والرؤية لا يكفي لنجاح المخطط. وهذه العناصر الثلاثة هي جوهر كل مخطط ناجح للتطوير. ولا بد من وجود تناغم بينها لأن غياب أو عدم انسجام أيا منها مع غيره يعوق الوصول الى الهدف. ويستطرد خبير الإنتاجية: ما أريد من الشباب أن يقتنعوا به هو ان النجاح لا يكون بالاعتماد على الخدمات الحكومية او الفرص الجاهزة. كما ان مواجهة الصعوبات هو الدليل على ان الفرد يسير في الطريق الصحيح. فالألم والسقوط هو الطريق للنجاح. والضربات هي جزء أساسي في طريق تطوير الذات. فالحياة لا تقدم السعادة بقدر ما تقدم التحديات التي توصل إلى السعادة. وإذا اعتبرت نفسك ناجحا ولم تمر بهذه التحديات والضربات فأنت لست بناجح كما تتخيل. والثراء لا يعني النجاح.

مشاركة :