لديّ صديق طفولة أعرفه منذ صغري، وظللت على تواصل معه فترات طويلة مختلفة في المدرسة وفي الفريج، وعشنا معا أياماً جميلة في فترة المراهقة ثم مرحلة الشباب، وما زلنا نتواصل مع بعضنا البعض بعد فترة التقاعد من العمل وهذه سنة الحياة، ومن أهم صفات صديقي هذا أنه يتمتع بصفة النفس اللوامة، وقد كنت أقول له إنك تبالغ في محاسبة نفسك حتى على بعض الأخطاء البسيطة، لأنه يتعامل معها وكأنها كارثة، حيث إنني أذكر أنه لم ينم ليلته لأنه ضايق زميل عربي له في العمل وانتظر إلى صباح اليوم التالي كي يعتذر منه، وكان دائماً يردد أن اليوم أربع وعشرون ساعة، بل هو أربع وعشرون صندوقاً، وأنت تضع في كل صندوق ما تقوم به من قول وفعل فكنت أردد ليته أصبح مسؤولاً في إحدى المؤسسات التي تعاني الفساد كي يقوم بالقضاء عليه.وتمضي السنوات بيننا، والكثير من الأمور تحدث وهو يعلق عليها، بل إنه يصر على أن يكون مستقلاً غير مقيد بفكر تيار ما، الأمر الذي منحه ليتحدث بسهولة في شتى أنواع القضايا، من دون تحفظ، ومن دون أن يكون في فمه ماء، كما هو الحال بالكثير من الناس.ولأن صديقي لديه النفس اللوامة فإنه يلوم نفسه باستمرار على الكثير من الأمور، علماً بأنه كان مجتهداً ومخلصاً في عمله، كما أنه قام ببيع منزله عندما تعرض لأزمة مالية فقط ليسدد ما عليه من أموال للناس، في الوقت الذي يعتقد أقرب الناس إليه أنه ما زال رجلاً ثرياً، بل إنه يحاول ألا يشتكي لأي شخص عن أحواله، وهو لا يقوم بعمل ما إلا وقد اخلص فيه، ومع هذا كله فان النفس اللوامة تلومه على تقصير قد لا يكون موجوداً.وفي شهر رمضان المبارك فإنه «يحاتي» عملية الإخلاص والخوف من عدم قبول صومه وصلاته وزكاته والكثير من أفعال الخير، فهو يخشى أنه إن قام بمساعدة شخص ما يفسر ذلك كنوع من الرياء، حتى ولو كانت صدقة سرية وهو يقوم بها بنية خالصة، لكنه يخشى أن تكون كي يقول عنه الشخص إنه قام بمساعدته، وكنت أقول له فقط اعمل بنية خالصة، وهناك رب يراقبك ويعلم ما في نواياك، ودعك من الهلع الذي ينتابك لكنني أراه يزداد في شهر رمضان المبارك، لأنه لا يريد أن يكون مقصراً، خصوصاً أنه يكثر من إعادة النظر والتقييم لنفسه ولسلوكياته مع أهله وأقاربه وأصدقائه وجيرانه في شهر رمضان، إذ إنه يردد لي دائماً بأن نهار رمضان هو الفترة التي يفضلها لاعادة التقييم للكثير من أمور حياته، فكنت أمازحه ليت المسؤولين في الوزارات والمؤسسات المختلفة، لديهم تلك الصفة التي نحن في أمس الحاجة إليها.ولأن صديقي هذا يمتلك رؤية شاملة للنهوض بالبلد عبر سلسلة من القوانين والاقتراحات، فإنني أطلب منه الآراء التي يراها تجاه الثقافة بشكل عام والفن التشكيلي بشكل خاص، حيث إنه يرى أن الحكومة مطالبة بالاهتمام بالثقافة بمفهومها العام عبر المؤسسات كافة، وكان يردد لماذا لا يعرف الكثير عن الشاعر أحمد العدواني إلا أنه كتب النشيد الوطني، بينما هو شاعر كبير وفي شعره فكر نير نفتخر به، ولماذا لا نرى من يعرف الفنان التشكيلي عبدالله القصار، وهو من أفضل الرسامين في الكويت، وقد أدهش بلوحاته الكثير من الجمهور خصوصاً أنه درس في جمهورية مصر العربية، وتناول الحضارة الفرعونية والبيئة المصرية في منطقة الاقصر، وهو يرى أن وسائل الإعلام المختلفة لم تخدم الثقافة الكويتية كما ينبغي، نظراً لأن قصوراً كبيراً لدى القائمين عليها.وفي الختام فإني أرى أننا بحاجة ماسة إلى امتلاك صفة النفس اللوامة، كي نعيد تقييم أفكارنا وسلوكياتنا في المنزل والعمل وفي المجتمع. * كاتب وفنان تشكيلي كويتي
مشاركة :