القرضاوي يقف على معنى النفس اللوامة في القرآن

  • 6/29/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حرصاً من جريدة العرب على استكمال الفائدة ومواصلة ما بدأته العام الماضي مع تفسير جزء تبارك للشيخ يوسف القرضاوي فإنها تواصل في أيام رمضان هذا العام نشر ما تبقى من تفسير الشيخ لجزء تبارك، علماَ أن الشيخ قال: صاحبت القرآن أكثر من سبعين عاماً، وكان محور دروسي ومحاضراتي وكتبي وخطبي وفتاواي التي نشرتُ بعضاً منها في أربعة مجلدات كبيرة، ولقد ألَّفْت في مختلف فنون الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي، في العقيدة والتفسير والحديث والتصوف والتاريخ والدراسات الإسلامية المعاصرة، وهي كثيرة.. يستكمل فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي تفسيره لسورة القيامة بالحديث عن تفسير معنى النفس اللوامة، فجاء في تفسيره: يقول سبحانه { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ } [القيامة: 3]. أي: كيف خطر بباله هذا الخاطر الفاسد مع ظهور فساده؟ معنى النفس اللوامة ثم قال الرازي رحمه الله مبينا معنى النفس اللوامة وعلاقتها بيوم القيامة: (ذكروا في النفس اللوامة وجوها: أحدها: قال ابن عباس: كل نفس، فإنها تلوم نفسها يوم القيامة سواء كانت برة أو فاجرة، أما البرة فلأجل أنها لم تزد على طاعتها، وأما الفاجرة فلأجل أنها لم تشتغل بالتقوى. وثانيها: أن النفس اللوامة هي النفوس المتقية، التي تلوم النفس العاصية يوم القيامة بسبب أنها تركت التقوى. ثالثها: أنها هي النفوس الشريفة التي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الطاعة. وعن الحسن: أن المؤمن لا تراه إلا لائما نفسه، وأما الجاهل، فإنه يكون راضيا بما هو فيه من الأحوال الخسيسة. ورابعها: أنها نفس آدم لم تزل تلوم على فعلها الذي خرجت به من الجنة). يقول القرضاوي: هذا القول مضى على أن (ال) التعريف في (النفس) في قوله تعالى: { وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } للعهد، مع أن نفس آدم لم تذكر هنا. (وخامسها: المراد نفوس الأشقياء حين شاهدت أحوال القيامة وأهوالها، فإنها تلوم نفسها على ما صدر عنها من المعاصي، ونظيره قوله تعالى: { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } [الزمر: 56]. وسادسها: أن الإنسان خلق ملولا، فأي شيء طلبه إذا وجده مله، فحينئذ يلوم نفسه على أني لم طلبته؟ فلكثرة هذا العمل سمي بالنفس اللوامة، ونظيره قوله تعالى: { إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا } [المعارج: 19-21]. واعلم أن قوله (لوامة) ينبئ عن التكرار والإعادة، وكذا القول في لوام وعذاب وضرار. (أي: إن (لوامة) صيغة مبالغة من لائمة، أي: كثيرة اللوم). ثم بين الرازي المناسبة بين القيامة والنفس اللوامة فقال: (اعلم أن في الآية إشكالات: أحدها: ما المناسبة بين القيامة وبين النفس اللوامة، حتى جمع الله بينهما في القسم؟ وثانيها: المقسم عليه، هو وقوع القيامة، فيصير حاصله أنه تعالى أقسم بوقوع القيامة. وثالثها: لم قال: { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ولم يقل: والقيامة. كما قال في سائر السور: { وَالطُّورِ } { وَالذَّارِيَاتِ } { وَالضُّحَى }؟ والجواب عن الأول من وجوه: أحدها: أن أحوال القيامة عجيبة جدا، ثم المقصود من إقامة القيامة إظهار أحوال النفوس اللوامة، أعني: سعادتها وشقاوتها، فقد حصل بين القيامة والنفوس اللوامة هذه المناسبة الشديدة. وثانيها: أن القسم بالنفس اللوامة تنبيه على عجائب أحوال النفس. ومن أحوالها العجيبة، قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]. وقوله: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } [الأحزاب: 72]. وقال قائلون: القسم وقع بالنفس اللوامة على معنى التعظيم لها من حيث إنها أبدا تستحقر فعلها وجدها واجتهادها في طاعة الله. وأما السؤال الثاني: فالجواب عنه ما ذكرنا، أن المحققين قالوا: القسم بهذه الأشياء قسم بربها وخالقها في الحقيقة، فكأنه قيل: أقسم برب القيامة على وقوع يوم القيامة. وأما السؤال الثالث: فجوابه أنه حيث أقسم قال: { وَالطُّورِ } [الطور: 1]، { وَالذَّارِيَاتِ } [الذاريات: 1]. وأما ها هنا فإنه نفى كونه تعالى مقسما بهذه الأشياء، فزال السؤال والله تعالى أعلم). وأقول (القائل القرضاوي): قال الإمام الرازي: قال تعالى: { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ }. ولم يقل: (والقيامة)، كما قال في سائر السور: { وَالطُّورِ } { وَالذَّارِيَاتِ } { وَالضُّحَى }. ونقول أيضا: أقسم الله بمواقع النجوم فقال: { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } [الواقعة: 75]. وأقسم بالليل { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى*وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } [الليل: 1-2]، وقال أيضا: { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا*وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } [الشمس: 3-4]. فهناك تنوع في القسم، كما في قوله: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين: 1-3]. فكل هذا لا حرج فيه، ولا كلام فيه. كلام الإمام ابن القيم وقال الإمام ابن قيم الجوزية عليه رحمة الله في كتابه (التبيان في أقسام القرآن): (قوله: { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ*وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } قد تضمن الإقسام ثبوت الجزاء، ومستحق الجزاء، وذلك يتضمن إثبات الرسالة والقرآن والمعاد. وهو سبحانه يقسم على هذه الأمور الثلاثة ويقررها أبلغ التقرير؛ لحاجة النفوس إلى معرفتها والإيمان بها، وأمر رسوله أن يقسم عليها، كما قال تعالى: { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ } [يونس: 53]. وقال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } [سبأ: 3]. وقال تعالى: { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [التغابن: 7]. فهذه ثلاثة مواضع لا رابع لها، يأمر نبيه أن يقسم على ما أقسم عليه هو سبحانه من النبوة والقرآن والمعاد. فأقسم سبحانه لعباده، وأمر أصدق خلقه أن يقسم لهم، وأقام البراهين القطعية على ثبوت ما أقسم عليه، فأبى الظالمون إلا جحودا وتكذيبا. المراد بالنفس اللوامة واختلف في النفس المقسم بها ها هنا: هل هي خاصة أو عامة؟ على قولين، بناء على الأقوال الثلاثة في اللوامة، فقال ابن عباس: كل نفس تلوم نفسها يوم القيامة، يلوم المحسن نفسه أن لا يكون ازداد إحسانا، ويلوم المسيء نفسه أن لا يكون رجع عن إساءته. واختاره الفراء، قال: ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها، إن كانت عملت خيرا قالت: هلا ازددت خيرا. وإن كانت عملت سوءا قالت: يا ليتني لم أفعل. والقول الثاني: أنها خاصة. قال الحسن: هي النفس المؤمنة، وإن المؤمن -والله- لا تراه إلا يلوم نفسه على كل حالة، لأنه يستقصرها في كل ما تفعل، فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه. والقول الثالث: أنها النفس الكافرة وحدها. قاله قتادة ومقاتل، وهي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله. قال شيخنا (يعني: ابن تيمية): والأظهر أن المراد نفس الإنسان مطلقا، فإن نفس كل إنسان لوامة، كما أقسم بجنس النفس في قوله: { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [الشمس: 7-8]، فإنه لا بد لكل إنسان أن يلوم نفسه أو غيره على أمره، ثم هذا اللوم قد يكون محمودا، وقد يكون مذموما، كما قال تعالى: { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ*قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } [القلم: 30-31]. وقال تعالى: { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ } [المائدة: 54]. فهذا اللوم غير محمود، وفي الصحيحين في قصة احتجاج آدم وموسى: «أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق؟ فحج آدم موسى». فهو سبحانه يقسم على صفة النفس اللوامة، كقوله: { إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } [العاديات: 6]. (وهنا أقسم بالعاديات ضبحا وما بعدها). وعلى جزائها كقوله: { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [الحجر: 92]. وعلى تباين عملها، كقوله: { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } [الليل: 4]. وكل نفس لوامة، فالنفس السعيدة تلوم على فعل الشر وترك الخير، فتبادر إلى التوبة، والنفس الشقية بالضد من ذلك. وجمع سبحانه في القسم بين محل الجزاء، وهو يوم القيامة، ومحل الكسب، وهو النفس اللوامة، ونبه سبحانه بكونها لوامة، على شدة حاجتها وفاقتها وضرورتها إلى من يعرفها الخير والشر، ويدلها عليه، ويرشدها إليه، ويلهمها إياه، فيجعلها مريدة للخير، مرشدة له، كارهة للشر، مجانبة له، لتخلص من اللوم، ومن شر ما تلوم عليه، ولأنها متلومة مترددة، لا تثبت على حال واحدة، فهي محتاجة إلى من يعرفها ما هو أنفع لها في معاشها ومعادها، فتؤثره، وتلوم نفسها عليه إذا فاتها، فتتوب منه إن كانت سعيدة، ولتقوم عليها حجة عدله، فيكون لومها في القيامة لنفسها عليه لوما بحق، قد أعذر الله خالقها وفاطرها إليها فيه. ففي صفة اللوم تنبيه على ضرورتها (أي: احتياجها) إلى التصديق بالرسالة والقرآن، وأنها لا غنى لها عن ذلك، ولا صلاح ولا فلاح بدونه البتة. ولما كان يوم معادها هو محل ظهور هذا اللوم وترتب أثره عليه قرن بينهما في الذكر). مراحل النفس الإنسانية في الترقي وعلماء السلوك أو التصوف يعتبرون (النفس اللوامة) هي المرحلة المتوسطة من مراحل تطور النفس الإنسانية وترقيها، وذلك أن مرحلتها الأولى وهي الأساس فيها، التي سماها القرآن على لسان العزيز في سورة يوسف (الأمارة بالسوء)، كما في قوله تعالى: { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } [يوسف: 53]. والمرحلة الثانية أو الوسطى: مرحلة (النفس اللوامة)، التي ذكرت هنا في سورة القيامة. والمرحلة الثالثة وهي العليا: (النفس المطمئنة) الراضية المرضية، وهي التي تحدثت عنها سورة الفجر. قال تعالى: { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي } [الفجر: 27-30].;

مشاركة :