كتبت قبل أسبوعين أنه لولا وجود السعودية حائط صد، لتمددت الإمبراطورية الفارسية لتشمل كل البلدان العربية.. هذه العبارة ليست إطراء للسعوديين بقدر ما هي انتقاد للوضع العربي. فراغ معنوي هائل كان يعتري نفوس العرب وهم يشاهدون القوى العالمية تتجاهلهم في منطقتهم، وفيما يخص منطقتهم، لتتحاور مع الأتراك والإيرانيين والإسرائيليين، بل حتى الأستراليين. فقر الحيلة وصل إلى أشده مع وقوف بشار الأسد على قدميه قبل عامين بفعل المعونة الإيرانية - الروسية، وكان قد أوشك أن يهوي. أصبح الشأن السوري شأنا أميركيا تركيا إيرانيا روسيا إسرائيليا، والعراقي شأنا أميركيا إيرانيا تركيا، وكانت مصر تترنح تحت وطأة الموقف السلبي الأميركي والأوروبي. لم يكن للعرب أي تقدير في الحسابات الدولية. بعد «عاصفة الحزم»؛ التحالف العسكري لضرب المتمردين الحوثيين الموالين لإيران في اليمن، تغير وجه نشرات الأخبار! فجأة، انقلب تجار السلاح إلى دعاة سلام؛ الإيرانيون يطالبون بحل سياسي وحوار يمني، وعلي عبد الله صالح، رئيس المافيا الذي يشتري ولاء الشباب الصغار بعشرين دولارا، يدعو للحوار السلمي، وبوتين الذي لم يسبق أن أظهر احتراما كافيا للعرب، أرسل لهم مراسيل في قمتهم في شرم الشيخ ينادي بحل سياسي في سوريا وتطبيق للقانون الدولي!! وهل كان عبور السفن الروسية المحملة بالسلاح المدمر طوال أربع سنوات إلى ميناء اللاذقية وفقا لبند معين لا نعرفه من مواد القانون الدولي؟ حديث الحرب كان مشتعلا حينما كان العرب صامتين، وحينما تحركت «عاصفة الحزم» هبت نسائم السلام. حتى حسن نصر الله، نعم نصر الله أمين عام ميليشيا حزب الله، صاحب مذبحة القصير، الذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بسلسلة اغتيالات في لبنان، على رأسها مقتل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، خرج مغاضبا، جافّ الريق، استخدم لغة شتم لم يسبق له أن استخدمها حتى مع الإسرائيليين الذين يدعي أنهم أعداؤه، ينافح عن حق الشعب اليمني في تقرير مصيره، مدافعا عن إرادة الشعوب في تونس وليبيا والعراق، سقط من ذاكرته بلد اسمه سوريا، له شعب وإرادة لم يترك له السيد فرصة لتقرير مصيره. ولأن للغضب مزالق، فقد كان خطابه المتشنج مليئا بالأخطاء والتناقضات، وكأنه يتحدث عن منطقة في المريخ لم نعايش أحداثها ولا نعرفها، مذكرا السعودية التي تقاتل إيران في اليمن بأنه لم يطلب منها معونة في حربه مع إسرائيل في 2006 التي دمرت بلده الثاني لبنان. أجد صعوبة في تمرير هذه الكذبة تحديدا، لأن سيد المقاومة طالب الحكومات العربية وتحديدا أصدقاء الولايات المتحدة بأهم مطلب في كل تلك الحرب، ليس سلاحا أو قوات بشرية، بل ناشدهم التدخل لدى الولايات المتحدة لتوقف إسرائيل إطلاق النار..! لا أحد يستطيع المزايدة على رغبة الدول العربية، خاصة الخليجية منها، في الخيار السلمي، والسعودية تحديدا شهيتها للتدخل العسكري شبه مفقودة، رغم أنها تملك ثاني أقوى سلاح طيران في المنطقة بعد إسرائيل، ولديها ثقل سياسي في مناطق كثيرة يمكنها من فرض سيطرتها عسكريا خارج حدودها، لكنها ليست كإيران التي صنعت حزب الله ليكون خنجرا في خاصرة العرب. لم تسلح السعودية ميليشيا سنية في لبنان لتحقيق توازن قوى طائفي، وحينما أرادت دعم لبنان عسكريا قدمت 3 مليارات دولار للجيش النظامي، الذي يضم كل الأطياف اللبنانية. لسنا مرتزقة حروب ولا تجار سلاح، ولكن ما حصل في اليمن كان أقصى نقطة في صفحة الصبر على التعاون الإيراني الحوثي مع علي صالح، لسلب الإرادة الشرعية لليمن، ثم جعل السعودية ومعها الخليج بين طرفي كماشة إيرانية، ليتحقق حلم مستشار الرئيس روحاني حول إمبراطوريته، متخيلا الحاج الحوثي يسافر من صعدة إلى كربلاء عبر الرياض أو القصيم. المبادرة الخليجية كانت من مخرجات الحوار الذي رعته دول الخليج والأمم المتحدة، ولكن الطرف الذي نقضها وتآمر على اليمن هو صالح، وبالتالي إنْ عادت الأطراف اليمنية للحوار فستكون هناك أسس أخرى، لأن الواقع على الأرض تغير. أهم هذه الأسس أن يبدأ الحوار ومحركات الطائرات الحربية لا تزال تعمل، لأن الثقة مع بعض الأطراف مفقودة، وأن لا يكون صالح على طاولة الحوار، كما أن خيانته للخليجيين تبطل التزامهم له بالحصانة، ومن الإنصاف أن يُحاكم دوليا كمجرم حرب مثله مثل أي طاغية، أما تجميد أصول أمواله فلا يكفي، وإن كان حرمه من أهم أسلحته. هذه الأموال من حق الشعب اليمني. الملياردير علي صالح كان يستأثر بالمنح الخليجية والدولية لتنمية اليمن ويضعها في جيبه، تعمد إفقار اليمنيين وإبقاءهم في عوز إليه ليتمكن من شراء ولائهم، وهو اليوم يستخدمهم في مناوراته اليائسة. حتى الأطفال منهم، رأيناهم جثثا في الشوارع بزيهم العسكري بجوار أسلحتهم. 15 دقيقة كانت كافية للتحكم في المجال الجوي اليمني الذي خلا حتى من العصافير، وطائرات صالح والحوثي قابعة في مدرجاتها تحت تأثير المفاجأة. تحالف «عاصفة الحزم» يزداد عددا يوما بعد يوم، لأنها خطوة دُرست بعناية وطُبقت باحترافية، وسوقت للعالم أهدافها من خلال مصادر رصينة. حينما تدخلت فرنسا عسكريا في مالي في 2013 لحماية العاصمة باماكو من الميليشيات المتطرفة تفهّم العالم هذا الموقف، لأن الحكومة استنجدت بالفرنسيين لحمايتها من زحف المتمردين، ولولا هذه الخطوة الجريئة من باريس لكانت الجزائر، التي تبدو اليوم متحفظة، مثل ليبيا، مرتعا للإرهابيين. حقا، زمان يا عرب.. ربما جيل الشباب الذي وُلد بعد تحرير الكويت لم يشهد ما يجعله يعتز بعروبته، بل إن حاله من نكسات إلى نكبات، ومن إطاحة بأنظمة داخليا إلى إسقاطها خارجيا. الظرف الحالي مليء بالدروس والعبر أهمها أن الشجاعة لا تخيف الأعداء فقط، بل تجعلنا موضع احترام أمام العالم. يعلق أحد القوميين العرب بأن سوريا بحاجة إلى «نصف كيلو حزم» لتخرج من أزمتها. الحزم مجرد سلوك يا أخي، سوريا فقط بحاجة إلى نصف رجل.
مشاركة :