في شهر مايو 2019 تكون قد مرت خمسمائة سنة على وفاة ايقونة الفن الإيطالي ليوناردو دافنشي، وبهذه المناسبة شرعت المؤسسات الثقافية والفنية في ايطاليا خاصةً احتفالات وتظاهرات وندوات وايضًا في مختلف عواصم العالم ابتداءً من 2 مايو وهو يوم وفاته للإحتفال بفنان يعتبر الأبرز في تاريخ الفن الإنساني وإجراء المزيد من النقاشات والأبحاث حول هذه الظاهرة الفريدة، الفنان الإسطوري الذي ما زالت لوحاته تعيش حية حتى اليوم تزيّن المعارض والقصور وأسقف الكنائس. دافنشي هو صاحب اللوحة العظيمة «الموناليزا» أو «الجيوكندا»، المرأة صاحبة الإبتسامة الغامضة، التي بدأ برسمها سنة 1503م، وانتهى منها رسميًا سنة 1510م واستخدم فيها الفنان أسلوبًا فريدًا؛ حيث صوّر الموناليزا من الأمام والجانب معًا، مما أعطى اللوحة طابعًا ثلاثيّ الأبعاد، كما استخدم دافنشي التجسيم لأوّل مرّة والذي أُعتبر ثورةً في عالم اللوحات الشخصية، حيث اعتاد الرسامون على تصوير الأشخاص من جانب واحد. كما استخدم فيها التقنية الضبابية في الرسم؛ من خلال استخدام مجموعة من الألوان المتداخلة مع بعضها البعض. اختلف النقّاد في معرفة شخصية موناليزا، حيث رأى البعض أنها امرأة من وحي خياله فيما رأى آخرون أنها صورة لوالدته، وبعضهم قال بأنها صورة لأميرة نابولي إيزابيلا، ومنهم من قال أنها مجرد مومس. واستعان البعض بالعديد من الوثائق ليثبتوا أنها صورة لزوجة تاجر حرير طلب منه رسم صورة لزوجته لأنها كانت حاملا لكي يهديها لها عند ولادتها، لكنه لم يقم بتسليمها بعد اتمامها. ومهما كان الأمر فنحن أمام لوحة خالدة طغت شهرتها على شهرة دافنشي نفسه. كان دافنشي نحّاتًا، وفلكيًا، ورسّامًا، ومهندسًا، وعالمًا رياضيًا وكان يقول إن «الرسام الجيد لديه أمران أساسيان يرسمهما: الرجل وروحه، الأول رسمه سهل ولكن الثاني صعب لأن الروح عليك أن تعبر عنها من خلال الإيماءات وحركة الأطراف». وبالرغم من ابداعاته الملهمة، إلا أنه عُرف عنه بأنه كان غالبًا لا يكمل الأعمال التي بدأها، وظلت الكثير من أعماله غير منجزة على الرغم من أنه كان يقضي وقتًا طويلاً في التفكير والإعداد لها. هل هو الكسل، أم اللامبالاة، أم هناك أسباب أخرى؟ يقول البعض بأن دافنشي كان يعاني من «فرط النشاط» فيما ذكر بحثٌ نشر مؤخرًا في مجلة «برين» أن «دافنشي كان يعاني من المرض الذي تتمثل أعراضه في ضعف تركيز الانتباه على المهام، إذ يواجه المصابون به صعوبة في الاستماع للمتحدث عند مخاطبتهم، وغالبا ما ينسون، ويتحركون بكثرة أثناء جلوسهم، ويتكلمون بشكل مفرط». وضرب أحد المؤرخين مثلا بلوحة طُلب من دافنشي رسمها لكنيسة بينما كان في منتصف العشرين، إلا أنه لم يستطع إنهاءها، مما أثار حفيظة بابا روما في ذلك الزمن والذي قال عنه: «للأسف، لن يفعل هذا الرجل شيئًا لأنه يفكر بنهاية العمل قبل البدء به». ويعتبر خبراء أن الرسومات التي وُجدت على أوراق دافنشي كانت تشير «بشكل لا يقبل الجدل» إلى معاناته من عسر القراءة، وهي سمة شائعة عند المصابين بفرط الحركة. كان يدوّن ملاحظاته وأفكاره في كرّاس اشتراه مؤخرًا الملياردير بيل غيتس مقابل 30 مليون دولار أمريكي. والأمر المثير للدهشة أو ربما للسخرية هو -حسبما قيل - أن قائد القوات الفرنسية جيان تريفولزيو الذي قاد قواته لغزو ميلانو طلب من دافنشي نحت تمثالٍ له كفارس ليوضع على قبره بعد وفاته إلا أن هذا العمل لم يكتمل أيضًا، لكنه كما يقال عمل لدى الحكام الفرنسيين الذين احتلوا جزءًا من بلاده. إنني بصراحة ونزاهة لا أميل إلى تصديق هذه الرواية التي تشوّه صورة هذا الفنان العظيم فلا يمكن لفنان حقيقي مثل دافنشي أن يتعاون مع المحتلين فهذه الصفة ليست من شيمة المبدعين والفنانين وأكاد أجزم أن من خلق «الموناليزا» لا يمكن أن يكون خائنًا!! Alqaed2@gmail.com
مشاركة :