وهج الكتابة: هل هو زمن الرواية؟

  • 9/16/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تطوّر الشعرُ من العمودي إلى قصيدة التفعيلة ومن ثم إلى قصيدة النثر. وعلى الرغم من تواجد وتنافر الثلاثة معًا، إلا أنهم يتناغمون أحيانًا، ويتناجون أحيانًا ويتصارعون أحيانًا على العرش، إلا أن قصيدة النثر في الفترة القريبة أسرت القلوب والساحات والجدران واقتحمت مجاهل أسرار الشعر، وصار أغلب الجيل الجديد من الشعراء يفضّل قصيدة النثر لأنها ربما الأقرب إلى روحه والى إيقاع هذا العصر الغارق في الصخب والدم. اقترب الشعر شيئًا فشيئًا من السرد عبر قصيدة النثر واقترب هذا السرد من تخوم القصة والرواية ليتداخلا ويتناغما في جوقة واحدة تعزف لحنًا واحدًا من خلال الكتابة بلغة شعرية. حدث كل ذلك عندما بدأ الشعر العمودي وشعر التفعيلة يفقدان عروشهما التي كانت شاهقة يومًا ومستعصية على الدخلاء.. أصبح الشعر التقليدي خلاءً تصفّر فيه الريح أو هكذا بدأ يبدو. هذا الكائن السحري الشيطاني وهو الشعر، بدأ يصبح يتيمًا ووحيدًا وأصبح مرتع النخبة والمثقفين وما عاد الجمهور يقبل عليه، حتى دور النشر العربية غزاها وباء الرفض والاستهانة بالشعر وبدأت تعتذر عن نشر دواوين الشعر، كل أنواع الشعر، بحجة قلة القراء (قصدهم المشترين). تغيّرت دور الشعر في هذا العالم المتغيّر المُفرط في التغير مع ثورة وسائل الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث بدأ الجيل الجديد بالعزوف عن القراءة والاكتفاء بما يقرأه على صفحات الإنترنت. وهذا الجمهور البسيط التفكير شدّته القصيدة العامية بأشكالها المختلفة بما فيها الشعر النبطي ربما لسهولته ولأنها باللغة المحكية ولا يحتاج إلى الكثير من العناء لفهمه، وأصبح الشعر العربي القديم والحديث والحداثي عبارة عن أحاجي تبعث فيه الملل. فدخلت الرواية الساحة بقوة وهذا ما نلاحظه بجلاء في معارض الكتب. الكل تقريبًا يتحدّث عن الرواية وخاصة الإناث اللواتي بدأن يقبلن على الروايات ربما بشكل أكثر من الذكور وليس لديّ أي تحليل لهذه الظاهرة التي بدأت أستشفها بنفسي وأراها رؤيا العين حولي. إن قضية تزاوج الشعر مع القصة أو الرواية ليست وليدة اليوم بل ولدت منذ سنوات بعيدة مع الكاتبة السورية غادة السمّان في جميع قصصها ورواياتها التي كتبتها بلغة شعرية مدهشة مثل «لا بحر في بيروت» و«ليل الغرباء» و«الرحيل إلى المرافئ القديمة» وغيرها. وهناك الكاتب الجزائري واسيني الأعرج الذي يكمن سر نجاحه -حسبما يقول النقّاد-في لغته الشعرية الجميلة في كل رواياته تقريبًا مثل «طوق الياسمين» و«مملكة الفراشة» و«ذاكرة الماء» و«أصابع لوليتا» وغيرها. وهنا في البحرين لدينا أشهر كاتب قصة ورواية يكتب شعرًا قصصيًا أو رواية شعرية. ربما أخطأ أمين صالح الطريق أو أخطأ الطريق في حقه وارتدى عباءة السارد وهو شاعر، بل شاعر حداثي رفيع المستوى أغواه السرد والرواية ودخلها شاعرًا منذ مصيدة «هنا الوردة... هنا نرقص» وبعده «الفراشات»، «الصيد الملكي»، «رواية ألف صاد الأولى»، «ندماء المرفأ.. ندماء الريح» وغيرها. أمين صالح يكتبكَ ويكاتبكْ ويزرع فيك الدهشة.. دهشة الصور والمفردات ودهشة العوالم الغريبة. أبى أمين صالح واستكبر ككاتب قصة وروائي ولم يعترف أنه شاعر حتى هبّت عاصفة هوجاء نثرت حروفه التي جمعها في ديوان شعري جميل أسماه «موت طفيف»، ليحط في مرفأه الحقيقي، إنه موت الانتقال السحري إلى شاعر خالص ليس سردي. يقول أمين صالح: «لا بد من استغلال الطاقة الشعرية لإغناء الرواية والعمل السردي». هل يصح أن نسمي هذا الزمن زمن الرواية، ربما، لكن برأيي أنه زمن تزاوج الشعر والسرد، وسوف يلتقيان ويلتقيان مثل عاشقين متيمين في فردوس الحروف.

مشاركة :