وهج الكتابة: هل تنبّأ فريد رمضان برحيله؟

  • 11/14/2020
  • 12:09
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ماذا يمكن أن يقال عن الراحل الغالي فريد رمضان، وكيف نودّع أصحاب الحرف الحقيقي غير المداهن، ماذا يمكن أن نقول عن الذي غادرنا في لحظة عبث عظيمة. عن رجل كان دائمًا واقفًا... شاهقًا كالنخلة. أشياء كثيرة يمكن أن تقال، ولكن كلها لن تفي هذا الرجل حقه. كان من المفترض أن يزورني في مكتبي بشارع المعارض لكي نتحدث عن وضع سيناريو لروايتي الثانية. كان ذلك من أكثر من شهر تقريبًا، لكنه اعتذر ووعدني بأنه سوف يأتي بعد أن تتحسن صحته، وكنت أتوقُ لزيارته لأننا لم نلتقي منذ فترة، ولكن القدر كان بالمرصاد، وأغلق الأبواب وأنزل الستائر.قبل خمس وعشرين سنة كان لنا لقاء في عمل مشترك عبارة عن عمل جرافيك اسمه «نوران»، كان عملاً فنيًا ضخمًا مبدعًا يشتمل على لوحات أو استكتشات جميلة بالحفر على النحاس للفنان الجميل جمال عبدالرحيم. اعتمد العمل أو استضاء برواية «نوران» لفريد رمضان وكان دوري ترجمة النص إلى اللغة الإنجليزية وانتهى العمل وأنجز على أكمل وجه وخرج للنور وما زال معي نسخة منه أحتفظ به في مكتبي.وفي مكالمة هاتفية لي مع صديقه المقرّب الفنان الصديق جمال عبدالرحيم بعد الانتهاء من دفن الفقيد، أخبرني بأنه كان قد قرر مع الراحل قبل عدة أشهر تنفيذ عمل جديد بعد مرور ربع قرن على «نوران»، والدخول في تجربة أخرى بعد أن تطورت الرؤى وتغيرت أحوال الدنيا وانصهرت الروح في بوتقة مختلفة. كان العمل المفترض هو إنجاز مشروع جرافيك مع الراحل اسمه «طريق الحج» وهو عبارة عن عمل صوفي دنيوي أو وجودي حسب قول جمال عبدالرحيم. فالحج موجود في جميع الأديان والمذاهب إلى أماكن مقدسة. وفي هذا الصدد أنهى جمال حوالي 81 اسكتشًا حول الموضوع وسلّمها للفقيد لكي يقوم بالكتابة على ضوئها انطلاقًا من رؤية جمال بأن اللوحة هي التي تخلق النص وليس العكس وبأن اللوحة تُخرج النص من التابوت وتمنحه الحياة. الغريب في الموضوع أن فريد قال لجمال أثناء بلورة فكرة العمل «ربما يكون هذا آخر عمل لي وبعده سأموت». قلب المبدع (أحيانًا) دليله. يعتقد جمال بأن الراحل قد بدأ بالكتابة بالفعل ولكنه لا يعلم إلى أين وصل بالضبط. كان الموت أسرع مما توقع الفقيد، ولم يكمل العمل، لكن جمال يخطط لإصدار العمل بالقدر الذي انتهى منه الفقيد عرفانًا وتقديرًا لمسيرة الصداقة التي جمعتهما معًا سنواتٍ طوال.في الأشهر الأخيرة عانى الفقيد كثيرًا مع مرض «السكلر» الذي يكابد منه منذ طفولته، هذا المرض الذي كان يضطره إلى ملازمة المستشفى لتغيير دمه كل شهرين أو ثلاثة، ويحتاج بعدها إلى أسبوع آخر لكي يتأقلم مع الدم الجديد. هكذا كانت حياة الراحل، ولم يكن يشكو أو يعبر عن وجعه المستديم، بل كان مبتسمًا دائمًا وكأنَ الدنيا بخير ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة إليه، واستمر في تجربته الروائية ومشروعه السينمائي الطموح بالرغم من كل الألم، حريصًا على تكملة تجربته الإبداعية. لم يكن فريد ضالعًا أبدًا خلال حياته ورحلته الإبداعية في أية شلة من شلل «شيلني وأشيلك» بل ظل يبدع ككاتب وأديب ملتزم ذي مبادئ إنسانية راقية تاركًا خلفه كل الترهات لأنه كان مبدعًا حقيقيًا يحمل لواء المحبة في كل مكان. أطلق عليه النقّاد «كاتب الهويّات» لأنه تناول في رواياته هويات مختلفة. كانت رواية «المحيط الإنجليزي» الصادرة عام 2018 آخر رواية مطبوعة له حسب علمي، ولا علم لي إذا كان قد بدأ برواية أخرى أم لا فهو رجل لا يتوقف إبداعه. كان قبل وفاته يجري الاستعدادات لطباعة كتابه الأخير «عطرٌ أخير للعائلة» في الكويت لدى دار الفراشة للصحافة والنشر لصاحبها الأستاذ فهد الهندال. ربما كان هذا الكتاب يمثل نوعًا من الوداع وعطر أخير فعلاً لأحبائه، وهو كان عطرًا أينما حل بسبب نقائه العميق ووهج قلبه الذي لا يذبل. في هذا الكتاب يتحدث فريد عن تجربته وعلاقته بالعائلة ومعاناته الطويلة والمريرة مع المرض. ربما كان يحس بدنو نهايته وقرب النجاة من عذاباته التي كان يخفيها في قلبه الصغير/الكبير... قلب بحجم هذا الوطن الذي كان يعشقه. فيا أيها الموت تماديت كثيرًا ففي كل يوم تختطف عزيزًا... تقتلع نجمة من نجوم القلب.لروحك السلام أبا محمود.Alqaed2@gmail.com

مشاركة :