القرآن الكريم قمة في فن الدبلوماسية “البرتوكول والاتكيت” يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس على مدى الزمن بأن تاريخ الدبلوماسية يبدأ من القرن السابع عشر أو السادس عشر ومن الغرب حصرا، وبأصول ومفاهيم بسيطة بفن الدبلوماسية وأقسامه من البرتوكول والإتكيت/ لغة الجسد/ الإدارة/ العلاقات العامة/ التفاوض والتشاور/ إتكيت الدعوات/الملابس/ الأكل/ الأسبقية وغيرها من الفروع والأقسام وكل ما يتعلق بهذا العلم، إلا أن الحقيقة بأن الدين الإسلامي كان هو الأقدم في ذلك في وضع النقاط فوق الحروف وأسس من خلال رسولنا الكريم أعظم مبادىء لفن الدبلوماسية، حيث احتوى القرآن الكريم على أرقى المفاهيم في كل تفاصيل الحياة وعلى مدى الدهر، سواء في الماضي أوالمستقبل.. ومنها فن الدبلوماسية بقوله تعالى: “وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” (27) سورة الزمر. وهو مايثبت ويدلل ويوضح بأن القرآن الكريم قد تطرق إلى كل جانب من جوانب الحياة اليومية وكذلك بقوله تعالى: “وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا” (49) سورة الكهف. وهي أيضاً دلالالة واضحة بأن القرآن الكريم قد أحصى وتطرق إلى كل مفردات الحياة اليومية وما علينا إلا التفحص والتعلم من هذه المفردات الكونية الربانية التي نزلت من رب السموات والأرض عالم الغيب والشهادة وبقوله تعالى: “وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ” (6) سورة النمل. وكذلك تطرق الله سبحانه وتعالى إلى القيمة العظيمة والإلهية للقرآن الكريم وكيف تتطرق إلى كثير من المفاهيم التي يحتاجها الإنسان بقوله تعالى: “وكل شي أحصيناه في إمام مبين” (12 سورة يس، والمقصود حسب بعض التفسيرات أن الإمام المبين هو القرآن الكريم أو أم الكتاب لاحتوائه وبصورة متكاملة على كل المعلومات الرصينة لكونه منزل من رب السموات والأرض . على سبيل المثال تحدث القرآن الكريم عن فن الإدارة وكيفية اعتماد مبدأ الأهم ثم المهم، وذلك في قول الله تعالى: “الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا”59) سورة الفرقان. هذه الآية الكريمة تعطينا أكبر وأهم درس في علم الإدارة وكيفية ترتيب الأعمال حسب أهميتها، وكيفية أن تكون في غاية الدقة والوضوح؛ نحن لا نناقش المعنى الفقهي والديني لهذه الآية الكريمة بقدر ما نأخذ منها المواعظ والحكم، فالكل يعرف أن الله جل وعلا استوى على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، أنه خالق السماوات والأرض وما بينهما، وبعد بستة أيام ليعطينا درساً كبيراً في إنجاز الأعمال وكيفية تقسيم الوقت والأهمية بحيث تكون على أعلى درجات الدقة والوضوح؛ أن الله سبحانه وتعالى كان بإمكانه أن يخلق السموات والأرض كلمح البصر ولكنه جعلها لنا درسا نستفاد منه من ناحية الأهمية والترتيب والوقت والأولوية بالأمور. وقد تحدَّث القرآن الكريم عن فن التفاوض، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ في كثير من الآيات القرآنية الكريمة ليعطينا درسا للاقتداء به وممارسته في حياتنا العملية، فالله -سبحانه وتعالى- يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمة وإعدادها للقيادة الرشيدة أن تُربَّى بالتفاوض وتبادل الآراء والمشورة للوصول إلى أفضل الحلول، والتدرب على خاصية الإقناع والتفاوض قال تعالى: “فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا” (233 سورة البقرة، هذه الآية الكريمة تعطينا درسًا في كيفية التفاوض والوصول إلى أفضل النتائج بعد التشاور والتباحث بالأمر مهما كانت المشكلة، وقال تعالى” وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ” (46 سورة الأنفال، وهذه إحدى نقاط ضعف وسلبيات فريق التفاوض إذ حصل خلاف في الآراء وكيفية طرق التفاوض بين المجموعة وإن فشلوا بالوصول إلى هدف المفاوضات وبالتالي فإن النتائج سوف تكون مدمرة وتؤدي إلى الشقاق وضياع الهدف المرجو. وقد تحدَّث القرآن الكريم عن في إتكيت الأكل والاعتدال وعدم الإسراف في الطعام في عدة آيات قرآنية، قال تعالى: “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا”(31 الأعراف. قال تعالى: “كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غضبي”(81 طه )، وهو تنبيه إلهي لنا بعدم الإسراف في الأكل وتحضير كميات كبيرة من دون داعٍ لهذا الإسراف تحت مسميات الكرم وعادات القبيلة ورمي المتبقي منه في سلة النفايات وهو مخالف للشريعة والأعراف الإنسانية. وقد تحدَّث القرآن الكريم عن العلاقات العامة والإعلام علام والمصداقية في نقل وسرعة الخبر قال تعالى: “قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي” (40سورة النمل. وفي فن كتابة الأخبار ولباقة اللسان واختيار الكلمة والعبارات المتزنة والهادفة وغيرها قال تعالى :”وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ” (34 سورة القصص. وقد تحدَّث القرآن الكريم عن أن إتكيت وآداب نبرة الصوت وما يحمله من أدب التعامل يعكس صورة حضارية وراقية وسوف ينظر لك الجميع بكل احترام وتقدير لما له من سمات جميلة وحساسة وهادئة ولا ننسى اختيار الكلمات المناسبة والمتدوالة على العكس من الصوت المرتفع والنبرة العالية المستهجنة من أغلبية أفراد المجتمع، وأكد الخالق على أهمية خفض الصوت لما له من هيبة ووقار قال تعالى: “وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ” (12 لقمان). سعدون الحمداني دبلوماسي عماني سابق
مشاركة :