الدبلوماسي سعدون الحمداني يكتب.. القرآن الكريم وفن الدبلوماسية

  • 4/24/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة اتكيت قواعد الدعوات لكبار الشخصيات، سواء على المستوى العائلي الشخصي أو على مستوى الوفود وكبار الشخصيات من أكاديميين أو رجال دين رفيعي المستوى أو رؤساء عشائر في بعض الدول، وكيف يتبارون في وضع المراسم والخطوات التي تبدي أعلى مراحل الاستقبال هذه الدعوات وكيفية التعامل معها سواء الشعبي منها أو لكبار الشخصيات وكذلك طبيعة ومستوى استقبال الضيف وكلا حسب مستواه وطبيعة العلاقة معهم ويبدأ إتيكيت الاستقبال وإكرام الضيف من قبل المضيف، حتى في بعض المدارس الأوربية يسأل الضيف عن ما الذي يحب وما الذي يكره سواء في الأكل أو الزيارات، رغبة منهم في إكرام الضيف والوصول إلى خدمة سبعة نجوم بالضيافة وليس فقط الأكل؛ حيث ترى الابتسامة وحلاوة الروح والبشاشة ورحابة الصدر التي تميزت بها المدارس الدبلوماسية الغربية على وجه الخصوص ويتفاخرون بأنهم هم من الأوائل في هذا المجال. إنّ القرآن الكريم تحدَّث عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ فإن بروتوكول وإتيكيت الأسبقية في قواعد الدعوات بالنسبة لضيف الشرف أو بقية الضيوف من العادات والتقاليد الإسلامية الراقية، ولكن بسبب الفترات المظلمة التي أحلت بالعالم العربي والإسلامي فإننا قد ابتعدنا قليلا عنها، ولكن نبقى دائما نفتخر بهذه العادات الإسلامية الطيبة في إقامة الدعوات وإكرام الضيف واستقبال كبار الشخصيات حيث قال تعالى (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف:32]. تحتل الأسبقية لكبار الشخصيات في إقامة الدعوات مكان الصدارة في موضوع البرتوكول والإتكيت لما فيها حب التفاخر والظهور وحسن الترتيب والأولوية العشائرية والقبلية بالنسبة للعالم العربي، وكان لمؤتمر فينا المعقود عام 1815م، الفضل الأكبر في تنظيم الأسبقية في الحقل الدولي والدبلوماسي والتسلسل الوظيفي. وفي بداية القرن العشرين بدأت أوربا مثل فرنسا والدانمارك والنرويج واليابان بإلغاء القاب ومسميات مثل: النبلاء والأشراف والصفات الفخرية كـ (فخامة رئيس دولة، رئيس الوزراء، معالي الوزير) إلا أن لقب صاحب الجلالة ظل مصاحباُ لملوك دول العالم لضرورة الأسبقية بها. وتحدد الأسبقية بالنسبة للرؤساء والملوك والأباطرة إلى قدم كل منهم في الحكم أي إلى تاريخ تتويج الملوك أو تاريخ تولي رؤساء الجمهوريات أعباء الرئاسة دون إي تمييز. إن من أهم هذه القواعد الواجب الالتزام بها في إقامة الدعوات هي: عند قدوم كبار الضيوف يتم استقبالهم وإرشادهم الى قاعة الاستقبال المعدة لذلك ويقدم لهم المشروبات والعصائر لحين وقت الطعام أو الاجتماع أو اللقاء؛ يتقدم رئيس المراسم أو من ينوب محله بأخبار الداعي سواء بالنظرات أو بعلم لغة الجسد أو بالكلام بأن كل شي جاهز بمرافقة ضيف الشرف إلى المائدة أو الاجتماع أو اللقاء، وحسب الأسبقية ليجد كل منهم أسمه على الطاولة، كما لا يجلس الضيوف قبل جلوس من يترأس المائدة لكبار الشخصيات مع مراعاة العادات والتقاليد السائدة في البلد والأولوية للنساء أن وجدوا في الوفد، لا يجوز مغادرة المكان قبل الانتهاء من الطعام إلاّ في ظروف قاهرة وبعد الاستئذان من صاحب الدعوة، عدم التكلم بالهاتف أثناء المراسم سواء في الاستقبال أو مأدبة الأكل ، يستحسن تنظيم عمل مخطط توضيحي بشكل مائدة وأماكن جلوس الضيوف مع سهم يشير الى جهة الدخول وترسل لهم مع الدعوة أو عند دخول مكان الدعوة، يجب الأخذ بنظر الاعتبار الصفة الرسمية وأسبقية المدعوين ( رجال الدين، كبار السن والمتقاعدين). يمكن إجراء بعض التغييرات على قواعد المجاملة اذ اقتضت الضرورة بشرط عدم المساس بأسبقيات كبار الشخصيات مع أخذ المركز الاجتماعي والثقافي وشبه الرسمي وكذلك الذين يتمتعون بمراكز دينية وعشائرية رفيعة، يدخل المدعون أولاً ويقفون خلف مقاعدهم إلى أن يدخل الضيف ومضيفه ويجلس المدعوون بعد جلوسهما ولا يستحب إطلاقاً الكلام أو المناقشة قبل ذلك، لا يستحسن إبقاء المقعد فارغاً عند تخلف أحد المدعوين لسبب طارئ، ويمكن إبقاؤه فارغاً تكريماُ لصاحبه معبرين عن مكانته الرفيعة، يجوز حضور حفلتين بنفس اليوم مع ضرورة مراعاة الوقت مع بقاء فترة أطول في الدعوة الأكثر أهمية أو الاعتذار حسب الأولوية والأهمية، دعوات كبار الشخصيات مهما تكن المسميات لها يجب البقاء فيها طيلة الوقت ولا يمكن مغادرتها قبل ضيف الشرف أو الرئيس الداعي، يمكن إلقاء الكلمات الترحيبية بحيث لا تزيد عن نصف دقيقة أثناء الدعوات الرسمية سواء من الداعي وضيف الشرف وقد يكون الرد عليها بالتعابير والكلمات المناسبة. في نهاية الدعوة يلقي الداعي كلمة مناسبة قبل النهوض يشيد فيها بالمدعو وخدماته وعلاقاته بجمع وإقامة هذه الدعوة ويتنمى له خصوصا ولعائلته التوفيق والسعادة والشكر الجزيل، يتم تحديد الأسبقية لزوجات كبار الشخصيات بعد زوجة الضيف ما لم يشغلوا منصباً رسمياً أو يحملون القاباً فخرية أو أوسمة، إذا كان هناك ضيوف أجانب فلهم الأفضلية في الجلوس ويختار لهم مكان مميز مع شخص يجيد مجاملتهم والتعامل معهم بشرط عدم الضغط عليهم بالأكل والمشروبات، بالنسبة إلى ملابس الدعوات النهارية يفضل اللون (النيلي أو الازرق الفاتح، الرصاصي الفاتح) وبالليل الألوان الداكنة والابتعاد عن الألوان الفسفورية والشعاعية على أن تكون متناسقة حتى مع الحذاء والساعة وربطة العنق والبدلة وبالنسبة للزي الخليجي فيكون البشت الداكن، وبالنسبة للنساء فالابتعاد عن المكياج المبالغ فيه أهم مظاهر حفلات الشاي النهارية أو الدعوات الرسمية النهارية والأزياء المحتشمة التي تلائم مكانتها ومكانة زوجها وعدم التبرج والبذخ بالمجوهرات والذهب مع أخذ بنظر الاعتبار العائدات السائدة بالبلد. وتعتبر الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا قمة في الحشمة في حفلاتها الليلة أو النهارية، وهي صراحة قدوة للجميع في إتكيت الحضور وتلبية الدعوات النهارية والليلية على حدا سواء بالإضافة إلى بعض الشخصيات الأخرى، يمكن حمل الأوسمة في الدعوات الرسمية الليلية فقط للحضور أو الضيف. وفي الختام فإن التعلم والمحافظة على هذه الصفة من علامات النجاح والتفوق في الحياة اليومية والعملية سواء الشخصية منها أم الرسمية، الفردية منها أم الجماعية، وبالتالي علينا التمعن فيها، فبدلا من الانقياد خلف المدارس والنظريات الأجنبية في تعليم هذه الخاصية نرى أن تعاليم الدعوة الإسلامية والسيرة النبوية ثرية بهذه الصفة في إقامة الدعوات واستقبال الضيوف وإكرامهم مهما يكن دينهم أو جنسيتهم أو منصبهم لأن هذه هي أحد مقومات النجاح والتفوق والتميز لدى الشخص والمجتمع على المستوى الفردي أو الرسمي للدولة.

مشاركة :