يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة استخدام اللغة الإيمائية أو لغة الجسد وكيفية مراعاتها سواء على المستوى العائلي الشخصي أو على مستوى الوفود من أكاديمين أو رجال دين رفيعي المستوى أو رؤساء عشائر في بعض الدول، وكيف تتبارى هذه المدارس بتدريس مادة لغة الجسد في المعاهد والمدارس الدبلوماسية لما لها من أثر بالغ في إيصال الفكرة والحدث بدون التلفظ بأي كلمة وخاصة في اللقاءات الرسمية أو الشخصية وكيفية التعامل معها سواء على المستوى الشعبي منها أو لكبار الشخصيات وكذلك طبيعة ومستوى استخدام هذه اللغة وكلاً حسب مستواه وطبيعة العلاقة معهم. إن آخر الدارسات الطبية في علم لغة الجسد وعلم الحركة ووسيلة الاتصال بالآخرين، تبين أن الإشارات الإيمائية تنقل إلى الدماغ البشري لغرض التفسير والتعامل معها بنفس الطريقة وأن الدماغ البشري يعتمد كثيراً على نظرية “الفعل ورد الفعل”، إذ أن 87% منها تأتي عن طريق العينين و9% عن طريق الأذنين و4% سائر الحواس. تعتبر اللغة وعلم اللغة العام بكافة أقسامه (علم الكلمة، علم النحو ، علم المعنى) أقوى وسيلة اتصال على مر العصور بين مختلف المجتمعات والأعمار والجنس البشري، وهي أوضح أنماط السلوك الاتصالي ومحوره الأول في كل المجتمعات. ولا يسعنا في هذا المقال المقتضب إلا أن نركز على لغة الحركة أو بالأحرى لغة الجسد (لغة العيون) والتي تعتبر من أهم سمات إيصال الفكرة، وهي ذات الأهمية عند المواطن البسيط أو عند الدبلوماسي أو عامة الناس، ولكن استخدامها في السلك البدلوماسي أكثر شيوعاً وأهميةً من الإنسان العادي لما لها من انعكاسات إيجابية أو سلبية استناداً إلى نوع النظرية الفيزيائية (الفعل ورد الفعل). إن لغة الجسد أو علم الحركة يعتبر النسق الرمزي المفتوح الذي يحقق الاتصال وأيصال الفكرة والنتيجة بنفس الوقت بعيداً عن الكتابة والسرد اللغوي، وهو عبارة عن مدخل إلى إيمائيات عفوية تخططها معالم الجسد البشري لإيصال فكرة معينة سواء كانت “مقصودة أم غير مقصودة” “مباشرة أم غير مباشرة” والجسد أصلاً هو نظام لغوي رباني بإمكانك تبليغ شيء ما بدون السلوك الشفهي الناطق وبالتالي فإن لغة الجسد هي (رمز وحركة) بعيداً عن التلفظ أو الكتابة ولها مدلولات كبيرة وفعالة أكثر قوة في بعض الأحيان من الكتابة نفسها، قال تعالى في محكم كتابه: (تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ) سورة البقرة آية 273 وكذلك وقوله: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ ) سورة الرحمن آية 41 وكما معروف سيماهم في اللغة ولسان العرب هي العلامات الظاهرة أو الهيئة الواضحة. وتعتبر العين البشرية من أهم أدوات لغة الجسد ومعبرة كثيراً وخاصة عند العرب والكل يعرف أن الحسد يأتي من العين البشرية والحسد لا يأتي من كتابة الشيء وإنما من النظر والتدقيق في النظر والحسرة لذلك دعا الرسول الكريم إلى الرقية الشرعية وكذلك أنزل الله سبحانه وتعالى سور المعوذات للحماية من العين الشريرة. كما تعتبر لغة العيون مدخل للفعل وكان الرسول الكريم يحث على غض النظر لما فية آداب كريمة ومعاني عالية في الأخلاق وحسن النية وبعيداً عن الحسد والتدقيق فيما لا يعيينا. فعند الغضب نلاحظ تمدد العينين وتوسع البؤبؤ وخاصة عند النساء وهي دلالة عدم الرضا والتحسس من الوضع اللامقبول وسوف يكون رد الفعل سلبياً. وفي التعجب نلاحظ رفع الحاجب إلى الأعلى وتفتح العينين بحيث تكون أوسع ما يمكن دلالة واضحة على الاستغراب والذهول من الشيء. أما الغمز فهي تبلغ مبلغاً عجيباً إذ يقطع بها ويتواصل ويوعد ويهدد وينبه بها، ويقبل ويرفض، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تغمز إلى الجاريتين بالخروج عند دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته دون اللفظ. أما العين الغاضبة فهي تحملق أو تتحدب بصورة واضحة إلى الشخص الذي نشعر لتجاهه بالغضب، وتكون النظرة ثابتة ليحاول بها أن يسيطر أو يهدد. وهناك عدة صور توضيحية عن أشكال العين ومعانيها لا مجال لسردها في هذا المقال البسيط المتواضع. وأخيراً ومن العبارات الشائعة؛ أُنظر إلى عيني الشخص الذي يتحدث لأنها تكشف عن مشاعره الحقيقة تجاه المقابل وأحيانا تنم عما يريد قوله، والنظر باستغراب أو إنكار لفعلٍ ما يبدو واضحاً عندما يفتح الشخص عينيه وأن لغة العيون هي أصدق من القلم والمشاعر المكتوبة والمعبرة. سعدون بن حسين الحمداني دبلوماسي عماني سابق
مشاركة :