«كلمة» يُصدر « الشِّعر والمنْظر من الرومنطيقيّة إلى أيّامنا» لميشيل كولو

  • 6/16/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أبوظبي: «الخليج»: ضمنَ روائع الأدب الفرنسيّ الحديث والدّراسات النقديّة المرافقة له، التي تصدر عن مشروع «كلمة» للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، صدرت ترجمة «الشِّعر والمنْظر من الرومنطيقيّة إلى أيّامنا» للشّاعر والناقد الفرنسيّ ميشيل كولو، ونقلتها عن الفرنسية الباحثة والمترجمة السوريّة المقيمة في فرنسا ندى عيسى، وراجع الترجمة ونقّحها وقدّم لها الشاعر والأكاديميّ العراقيّ المقيم في باريس كاظم جهاد. ومن محاسن النقد الجديد، الذي تصاعدت أعماله في فرنسا وانتشر منها إلى باقي أوروبّا منذ نهايات النصف الأوّل من القرن العشرين، أنّه سلّط الأضواء على مظاهر من الكتابة الشعريّة والأدبيّة بعامّة، التي لم تكن سابقاً تحظى إلا بمعالجات جزئيّة. من هذه المظاهر الفضاء الذي ينخرط فيه النصّ، وعلاقة الذات المبدعة بالإطار الأليف، وبالمادّة، وكلا الموضوعين لقيا تحليلات باهرة في مؤلّفات الفيلسوف الفرنسيّ غاستون باشلار التي كتبها بموازاة أبحاثه وخصّ بها الخيال الشعريّ باعتباره خيالاً ماديّاً وحركيّاً. كما جاءت كتابات الرعيل المُجايل لباشلار أو الذي تلاه، من السويسريّين «مارسيل ريمون» و «جورج بوليه» و«جان ستاروبنسكي» إلى الفرنسيّين: «جان بيار» و«ريشار» و «رولان بارت» وسواهما، لتضيف إلى معالجة النصوص الأدبية في علاقتها بالعالَم والفضاء والإطار الحيويّ تقصيّات نقديّة أخرى كاشفة. وفي موازاة هذا الاهتمام كرّس أستاذ الأدب الفرنسيّ كولو لحضور المَناظر في الأدب عبر جملة دراسات معمّقة ويمثّل الكتاب المترجم هنا إحدى أبرزها. في أبحاثه عُنيَ المؤلف بتحليل مختلف صنوف المناظر، طبيعيّة كانت أو مدموغة بتدخّل البشر، مقفرة أو مأهولة، منتشرة في الريف أو في الصحراء أو في قلب المدينة. في دراسات معمقة، تجمع المعرفة الجماليّة إلى براعة النّقد، يرينا كيف أصبح المنْظر انطلاقاً من الرومنطيقيّة أحد أبرز موضوعات الأدب والفنّ، وأكثرها إيحاءً. في هذا الكتاب، ولكي يقبض المؤلّف على تحوّلات شعريّة المَناظر في الأدب الفرنسيّ، وفي الشعر بخاصّة، كان عليه أن يُحِلّ هذا الأدب في سياقه الاجتماعيّ والثقافيّ، أي أن يُخضعه إلى قراءة تاريخانيّة وجماليّة في آنٍ معاً، ليرينا تطوّر حساسية المنظر عند بعضِ آباء الأدب الفرنسيّ الحديث، من شاتوبريان إلى سينانكور فجان جاك روسو، وصولاً إلى هوغو وبودلير ورامبو. وهو يقرأ نموّ حساسية خاصّة بالمَنظر في النثر الشعريّ وفي الشعر بالارتباط مع تطوّر مماثل في أعمال كبار الرّسّامين. يخصّ كولو هنا تطوّر فكرة المنظر ودخوله المشهد الشعريّ وتسيّده له في بعض المواضع بدراسة متماسكة وثريّة، تغطّي القسم الأوّل من هذا الكتاب، ثمّ يقدّم في القسم الثاني دراسات متوالية يعنى كلّ منها بعمل كاتب أو شاعر بذاته، يحلّله من خلال علاقته بالمناظر وعبرَ ما يتأسّس فيه من شعريّة للفضاء. تتوقّف هذه الدراسات عند أعمال لفيف من أهمّ شعراء المنْظر أو مستلهميه في المشهد الأدبيّ المعاصر، مع عودة في أولى هذه القراءات إلى هوغو روائيّاً وشاعراً، ومن فيكتور هوغو إلى فرانسيس بونج، فرينيه شار، فجوليان غراك، ففيليب جاكوتيه، فإدوار غليسان، فميشيل دوغي، يرينا كولو بعض أهمّ تجليّات المنظر المرئيّ وقد صار منظراً إبداعيّاً، ويُوقفنا على عدد من أهمّ مظاهر العمل الذي تقوم به اللّغة على المنظر وعلى نفسها لتنقلنا من المشهد الواقعيّ إلى ما يمكن دعوته «المشهد المكتوب». ويمكن القول إنّ الأدباء الذين يحلّل أعمالهم هم جميعاً شعراء، فالروائيّ المعاصر الوحيد الذي تتناوله إحدى دراساته هذه، ألا وهو جوليان غراك، هو نفسه ناثر بروحِ شاعرٍ وبقدراته. ومن حسنات هذا الكتاب أنّه يوقفنا على ما يشترطه الانفتاح الشعريّ على المناظر من مصاهرة بين الشعر والفلسفة والفنون التشكيليّة بخاصّة. فلا مقاربة للمنظر من دون تفكيرٍ صريحٍ أو ضمنيّ بالأماكن، واشتغال على النظرة وعلى الإدراك الحسّيّ، وعلى ما دعاه باشلار الخيال الماديّ، هذه المبادئ والحركيّات التي تقيم في صميم الظاهراتيّة وعِلم نفْس الإبداع والجماليّات. وبالقدْر ذاته، لا شعريّة للمناظر يمكنها الاستغناء عن مواكبة واستلهام ما شهدته مقاربات المنظر من تطوّرات وتحوّلات في الرسم والنحت ومختلف أشكال معالجة الصّورة.

مشاركة :