الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو من العبادات التي إذا أداها المرء على وجهها الصحيح رجع منها كيوم ولدته أمه، ولا يقف أمره في الجانب التعبدي لكنه يتمظهر في جانب آخر وهو المنافع المعيشية، حيث قال الله تعالى: (وليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير) سورة الحج.. وبين المفسرون أن المنافع بقصد بها التجارة أو الأسواق أو كل ما يرضى به الله من أمر الدنيا والآخرة. لذا موسم الحج خيره ديني ودنيوي. يحدثنا التاريخ الاقتصادي للمملكة بأن تجارة بلادنا كانت تعتمد على "اقتصاديات الحج" وخدماته وخاصة في مدن الساحل سواء على البحر الأحمر أو بحر العرب، فقد كانت تنتعش في مواسم الحج والعمرة. وبعد أن نزلت ولله الحمد على بلادنا بركات من السماء والأرض؛ صرفت الاهتمام عن اقتصاديات الحج وإيراداتها أو تراجع الاهتمام من ما كان تاريخياً، ولكن الضرورات الاقتصادية تستدعي الاستفادة من موارد الحج لتحقيق هدف تنويع المنتجات. وهو من مقاصد الخطط الاقتصادية التي تسعى للتقليل من الاعتماد على منتج مُتقلِّب الأسعار، بينما خدمات الحج منتجات مستمرة باستمرار توافد ضيوف الرحمن، ولا ريب أن هناك استثمارات هائلة في البنية التحتية وتوسيع الطاقة الاستيعابية للحرمين، ولكن لابد من زيادة الصرف على الإنشاءات ذات الصلة برفادة الحجيج والمعتمرين، كإنشاء مدن كاملة تسع ملايين الحجاج والمعتمرين وتسهيل وصولهم لمكة والمدينة. إن الفرص والمنافع التي تطرحها اقتصاديات الحج متعددة واستغلالها لا يستدعي سوى التدريب الذي يقصد به استيعاب مفهوم خدمة الحجاج كمنتج، ومع أن ذلك شرفاً لا يدانيه شرف، ولكن التدريب ضروري لأنه صار علماً تسوق به الدول منتجاتها، فابتسامة على جبين المتدرب تترك انطباعاً لا يمحوه الزمن. والتدريب يفيد في توظيف الأفراد بشركات تعمل في الحج والعمرة، ويساعد على نجاحها، والهدف توسيع قاعدة الطبقة الوسطى بالمملكة من خلال دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهي بدورها تمتص أكبر نسبة من الأيدي العاملة ولأن مشاريع اقتصاديات الحج ذات طبيعة رشيقة ومرنة تستهدف خدمات كالتموين والاتصال والنقل والإرشاد السياحي للحاج فهذه الصناعات الصغيرة يمكن أن تقوم بها مؤسسات أسرية تتخصص في صناعة مجسمات صغيرة للبيت العتيق أو المدينة أو المواقع التاريخية ومجالات واسعة تحتاج لجهد أكاديمي وعصف ذهني. والصين رغم بعدها الجغرافي اكتشفت أنها تستطيع أن تستفيد من اقتصاديات الحج بتوفير منتجات يشتريها الحجاج، فصنعت مجسمات إسلامية وسجاد، وجنت من ورائه أموالاً طائلة ولأننا أولى بالاستفادة من اقتصاديات الحج في بلادنا، فيمكن تصنيع هذه المجسمات محلياً، وإذا كان الأمر هكذا فإن هدف تنويع صادرات المملكة ليس بالمهمة المستحيلة، بل في متناول اليد ولا يتطلب الأمر إلا دعماً سخياً وفق خطة تستهدف إعادة قراءة التاريخ الاقتصادي للحج وتطوير منتجاته لكي تواكب العصر. وإن تم ذلك فإن إيرادات الحج والعمرة ستدر دخلاً هائلاً لاقتصادنا، ولنا أن نتخيل حجم هذا الإيراد إذا علمنا أن حجاج موسم (2013م) يستهلكون يومياً ثمانية ملايين رغيف، لذلك مورد خدمات ومنتجات الحج يحتاج لإعادة تقييم وقراءة ومقاربة جديدة.
مشاركة :