الاستشراق أكثر مصطلح نوقش في دراسات ما بعد الاستعمار، واكتسب خلال قرون طويلة دلالات كثيرة وواسعة ومتشعبة، ومنذ أن صار حقلاً أكاديمياً في المؤسسات الغربية، حاز سمعة سيئة باعتباره الخطاب المهيمن الذي أنتج الأسس الأيديولوجية للاستعمار الأوروبي، وسقط في خضم الانتقادات من علماء الشرق ومؤرخيه في القرن العشرين. يشير هذا الكتاب الصادر عن دار رؤية للنشر والتوزيع، وعنوانه «الاستشراق والاستعمار والإمبريالية.. دراسات في ما بعد الكولونيالية» إلى أن الشرق نفسه يتحمل اللوم الكبير في تزييف الاستشراق وتحريفه، فمنذ أن أطلق إدوارد سعيد رصاصته صار الاستشراق بين مد وجزر، ولأن جل الدراسات العربية اليوم يركز على صورة الاستشراق في الشرق العربي، صار من الضروري استقراء الداخل الآسيوي الذي كان ذا أثر بالغ في ذلك التشويه للاستشراق، وخاصة الهند، موطن المستعمرات الإنجليزية الأول، وهذا ما ركزت عليه إحدى الدراسات. يوضح الكتاب أن ما تقدم به المفكرون والمشتغلون على خطاب ما بعد الاستعمار من أمثال فوكو وفرانز فانون وإدوارد سعيد وهومي بابا وغيرهم، إنما ينسف كل حقيقة عن تلك المزاعم والأوهام، ويكشف عن جوهر الخطاب الاستشراقي الذي ناب عن كل القيم الكولونيالية في ممارساته ومرجعياته ومفاهيمه، وأن الإمبريالية في مفهومها الصحيح والسياسي هي نزوع إلى العنف والرجعية، وتضليل الشعوب الضعيفة (المستعمرة) واستخدامها، ودفعها إلى الاستهلاك والتهافت على المنتج الغربي والإذعان إلى قوى الغرب العسكرية والاقتصادية والإعلامية، كل تلك الطروحات تحاول أن تناقشها دراسات الكتاب، وهو مجموعة كتابات تقدم بها أساتذة باحثون أكاديميون من مختلف الجامعات العربية. إن سؤال الشرق / الغرب لا يزال يقع تحت إشكالية المختلف والموحد في آن، وهو يوهمنا في كل مرة، بتماسه مع الحقيقة والإجابة المخلصة، غير أننا نعود إلى خانة البداية من جديد لنغترب ونستغرب كالعادة.
مشاركة :