السؤال المهم المطروح أمام صناع السياسات المعنيين بوضع خطة للحد من الاعتماد على الدولار في بلدانهم هو كيفية تحقيق ذلك. ففي حالة بيرو، التي يمكن استخدامها كدليل، خلصنا إلى أن هناك أربعة عوامل رئيسة مشمولة في عملية التخلي عن "الدولرة": بدء استهداف التضخم، وتنفيذ قواعد تنظيمية تجعل إدارة الودائع الدولارية ومنح قروض دولارية أكثر تكلفة بالنسبة للبنوك، والارتفاع المستمر في سعر الصرف الحقيقي، والظروف الخارجية المواتية، مثل ارتفاع أسعار السلع الأولية عالميا والانخفاض العالمي في العزوف عن المخاطر . وقد بدأت بيرو استهداف التضخم في أوائل عام 2002 في محاولة للسيطرة على التضخم المحلي عندما كان جزء كبير من المجملات النقدية للبلد مقوما بالدولار. وتمثل النهج في استهداف التضخم من خلال تحديد سعر فائدة أساسي قصير الأجل للعملة المحلية "السول"، بينما كان استخدام أدوات غير تقليدية لضبط الدين الكلي "الذي كان جزء كبير منه مقوما بالدولار" وكبح التقلبات في سعر الصرف، التي يمكن أن تخلخل الاستقرار بشكل كبير في الاقتصادات ذات المستويات العالية من "الدولرة"، مثل بيرو. وكانت سياسات الضرائب والإنفاق "المالية العامة" متسقة مع تنفيذ هذه السياسات. وقد حقق استهداف التضخم كثيرا في الحد من "دولرة" القروض في بيرو لأنه ساعد على خفض التضخم واستقراره. وبلغ التضخم نحو 3 في المائة في المتوسط خلال الفترة من 2002 إلى 2015 مقارنة بنسبة 55 في المائة في الفترة من 1991 إلى 2001. ومن خلال استخدام القروض ذات أسعار الفائدة القابلة للتعديل، زادت إمكانية التنبؤ بسداد الدين بالعملة المحلية مقارنة بالعملة الأجنبية، لأن استهداف التضخم يكون موجها إلى التضخم المحلي وليس إلى التضخم بالدولار. وبالمثل، بقدر ما يسمح استهداف التضخم بمزيد من التقلبات في أسعار الصرف فيما يتعلق بالتغيرات في معدلات التضخم، فإنه يثبط الاقتراض الخارجي من جانب الشركات التي لا تكون إيراداتها مقومة أساسا بالدولار. يتمثل العنصر الثاني المهم في عملية التخلي عن "الدولرة" في التنظيم. فيمكن تثبيط "الدولرة" المالية عن طريق فرض ضرائب على الإقراض الدولاري وعلى الودائع الدولارية. ومن بين أساليب تحقيق ذلك التمييز بين الودائع الدولارية والودائع المقومة بالسول وزيادة حجم المبالغ التي يتعين أن تحتفظ بها البنوك لدى البنك المركزي "الاحتياطي الإلزامي" بالنسبة للودائع الدولارية. ونظرا إلى أن الفائدة على الاحتياطيات لدى البنك المركزي تكون أقل من الفائدة المتاحة في السوق، فإن إلزام البنوك بالاحتفاظ بها يعادل فرض ضريبة على هذه المؤسسات مساوية للفائدة الضائعة. وعلى جانب الإقراض، يمكن أن تقتضي القواعد التنظيمية أيضا أن تحتفظ البنوك بمزيد من الاحتياطيات لتعويض الخسائر الناجمة عن القروض الدولارية مقارنة بتلك الممنوحة بالعملة المحلية. ومن شأن زيادة الاحتياطيات لتعويض خسائر القروض أن ترفع التكاليف للقروض الدولارية وتخفض الإقراض الجديد بالدولار. ويشير تحليل اقتصادي للفترة من 1990 إلى 2014 إلى أن ارتفاع الاحتياطي المرتبط بالقروض الدولارية في بيرو كان فعالا بشكل خاص في الحد من "دولرة" الودائع والقروض؛ وفي المقابل، أدت الاحتياطيات الإلزامية الحدية على الودائع الدولارية دورا أصغر، وإن كان لا يزال كبيرا. وفي عام 2015، واصل البنك المركزي البيروفي برنامجا طموحا للتخلي عن "دولرة" القروض، لم يتضمن زيادة إضافية في الاحتياطي الإلزامي الحدي على الودائع الدولارية فقط، ولكنه تضمن أيضا قيودا على قروض السيارات والعقارات المقومة بالدولار. وتساعد هذه القيود على تفسير الانخفاض المستمر في القروض الدولارية مقارنة بالودائع الدولارية الذي بدأ في عام 2015. وثالثا، يبدو أن السماح بارتفاع سعر الصرف الحقيقي يمثل خطوة مهمة في الحد من الاعتماد على الدولار، وخاصة عندما تبرره الأساسيات الاقتصادية. وللتأكيد، قد يكون الانخفاض في "الدولرة" نتيجة ارتفاع قيمة العملة المحلية انخفاضا حسابيا فقط: تميل نسبة الدولارات إلى الودائع الإجمالية إلى التقلص عندما يرتفع سعر صرف العملة المحلية. ولكن من الأرجح أن يكون هناك بعض العوامل الاقتصادية التي تؤثر أيضا. فعندما يرتفع سعر الصرف الحقيقي، تنخفض أسعار السلع القابلة للتداول دوليا مقارنة بأسعار السلع غير القابلة للتداول. وبما أن السلع غير القابلة للتداول تحقق إيرادات بالعملة المحلية، فإن موردي هذه السلع عادة ما يفضلون الاقتراض بالعملة المحلية. وهذا ليس هو الحال دائما، ففي اقتصادات الأسواق الصاعدة، يمكن أن تؤدي الزيادة في السعر النسبي للسلع غير القابلة للتداول إلى مزيد من القروض الدولارية للقطاعات غير التجارية، مثل قطاع العقارات. ولكن عندما يؤدي استهداف التضخم إلى استقرار التضخم المحلي، سيكون ربط هذه القروض بالدولار أقل جاذبية للبنوك.
مشاركة :